في رثاء السيدة هدى
أحيانا لا تكون الكتابة عمن نفقد، مجرد رثاءً عابر، بل اعتراف بحب جارف ورغبة في تأكيد ديمومة هذا الحب فى القلب أبد الدهر، إلى أن تلتقي الأرواح فى رحاب العلي القدير. تأتينا الصدمة بغتة بفقد القلوب الطاهرة، يودعنا هؤلاء الطيبون، ترتبك الحياة من بعدهم، نفقد اتجاه البوصلة، وتعرج بنا مسارات الحياة إلى أنحاء موحشة، ومسارات قاحلة، فنرى الأشياء من حولنا بعين جديدة، وقد انكشف غطاء الرحمة واللين والعطف، وباتت مواجهة هذه الدنيا وما فيها، بلا درع واق من شرور الحياة وآلامها، درع الأم الحنون، أمرا حتميا.
ودعت منذ أيام، أمي الثانية، المربية الفاضلة، السيدة هدى محمد، التي عوضني الله خيرا بالتواصل معها، عن افتقادي دعوة الأم الحانية، خالصة النية، عوضني بهمسات الأم الصابرة، التي رضيت كل الرضا بقضاء الله فى أحلك الأوقات وأصعبها ولم تجزع أو تنقم، فعوضها الله بخير الجزاء، بر الأبناء وحسن الخاتمة في ليال كريمة.
عاشت السيدة هدي، فى قلب محنة نجلها الوحيد طيلة 17 عاما أو أكثر، فضربت بصبرها أروع الأمثلة فى تحمل ما تنوء به أكتاف الرجال، افتقاد السند الحى، فما وجلت أو ضعفت، بل رفعت أكف الضراعة مبتهلة إلى الله وأكملت المشوار على أمل أن ترى بصيص النور، إلى أن أذن الله بالفرج وحلت إشراقات الأمل، وعاد السند الى الجوار ينهل من حنانها تحت أقدامها.
لا أستطيع أن أوفيك حقك سيدتي، وأنت فى رحاب القدير وفى معيته، ليجزيك بإذنه تعالى خيرا وعوضا عن سنوات آلامك، ولكنى أرى عزائي الوحيد فى أقلام كل من اقترب منك وتنعم بأمومتك، فكتب عنها وشهد لها، رحمك الله رحمة واسعة بإذنه تعالى ووداعا على أمل اللقاء.