النهايات الطيبة
"لم أكن جديرة بك كما يكفي.. أقسم أنني حاولت.. وأقسم أنك كنتَ أهلًا لما هو أبعد من الحب.. وكنتُ طفلة تحبو أمام جبل مهما حاولتْ.. لن تصل إلى قمتك. كنتَ وستبقى رجلًا في عيني، وأمام الله والبشر.. رجلُ.. والرجالُ قليل، سندًا لي إن ملت.. ورحمةً لي إن ظُلمت.. ويدك الحانية أول من تنتشلني إن وقعت.. وكعادتك لن تدعني أحتاجك.. لأني مذ عرفتك أراك قبل طلبي، وكنت تسبق حتى ندائي.. وفي ضعفي وفي فرحي.
سامحني إن كنتُ قد أخطأتُ أو قصرتُ يومًا.. وأنا أعلم أن قلبك جُبل على الحُب والكرم والعطاء. البداياتُ أخلاق.. والنهاياتُ أخلاق، كنتَ بداية.. وليس لكَ في قلبي وعقلي وحياتي ووجداني نهاية.. وإن ابتعدنا.. لا يمكن أن ننفصل.. ولو انفصلنا".
بهذه الكلمات الرقيقة الحانية أعلنت إحدى الفنانات الشهيرات لمتابعيها نبأ انفصالها عن زوجها بعد فترة زواج استمرت طيلة 23 عاما، وهو ما ترك في قلوب ووجدان متابعيها شجنا وتعاطفا بالغا مع الطرفين مع الدعوات وأمنيات العودة لكليهما.
الأخلاق وحلو الكلام
وعلى النقيض من هذا، قرأت استغاثة عبر إحدى صفحات المشكلات الزوجية، عن أم وزوجة يتنصل طليقها من الإنفاق عليهما تماما، بل أنه ورطهما، طليقته وابنه، فى شراء سيارة بالتقسيط باسم الابن لحسابه، وهو ما أدخل هذه السيدة فى مشكلات عدة، فضلا عن تهديده لها بتشويه وجهها بمادة كاوية إن حاولت أو جرؤت على الاعتراض على ما فعل.
ليست الأخلاق بحلو الكلام فقط، أو البعد عن ارتكاب صنائع الأذى من أحد الطرفين تجاه الآخر، وإنما يضاف إلى هذا كله أداء الحقوق والالتزامات الاجتماعية والدينية على أكمل وجه. انعطف على جزء أساسي من عقد اتفاق الزواج، ويدخل أيضا ضمن النهايات الطيبة الحسنة التي تترك انطباعا جميلا بين شخصين إن تمت تأديته، جمعتهما حياة زوجية وشاءت الأقدار ألا يكملا طريقهما، وهذا الجزء هو مقدم الصداق، أو ما نسميه عرفا "المؤخر".
يظن بعضهم أن مقدم الصداق يؤدى فقط إلى الزوجة، في حال الانفصال والطلاق فقط وبعد سنوات من اللف والدوران فى ساحات المحاكم، وربما يؤكل مهضوما من طرف زوج معدوم الضمير ولا يؤدى على الاطلاق، إمعانا فى التنكيل بمن أودعها أهلها أمانة فى عنقه إلى يوم الدين يوم أن كانت البدايات الحلوة تكتسي بمعسول الكلام.
وفي الحقيقة أن هذا المال المكتوب مهما كانت قيمته، هو دين في رقبة الزوج عليه أداءه للزوجة مهما طال به العمر، ولا يسقط بوفاته، وملزم به ورثته من بعده إن عجز عن أدائه فى حياته، وينبغي من الأساس أن يؤدى والحياة الزوجية قائمة، وليس بعد الطلاق. هناك بعض الذكور، لا نسميهم رجالا، ينهبون حقوق الأنثى المكتوبة لها شرعا ويتقاعسون عن أدائه إليها، ويدخلون مقبلين فى زمرة آكلى حقوق الناس شرعا.
بالعودة إلى النهايات الطيبة، أتمنى أن نربي أنفسنا جميعا كراشدين، أنه إذا ما قدر الله سبحانه وتعالى عدم استمرار الحياة الزوجية، أن نتذكر الطيب ونتغاضى عن السيئ، فالمرء يظهر كمال أخلاقه عند الاختلاف، وما كان ذلك ينقص من الرجولة في شيء، بل يزيدها.
وربما يفتح ذلك بابا للصلح والعودة إلى استدامة الحياة الزوجية، إذا ترك الطرفان "شعرة معاوية" مشدودة بينهما. هدى الله النفوس جميعا، ووقى بيوتنا شرور الشياطين، وأدام فى القلوب المحبة والألفة، ورسخ في العقول أن أداء حقوق الزوجة هو أعظم واجب اجتماعي وشرعي، مثلما هو العكس أيضا.