الإعلام أخطر المهن جميعًا.. لماذا؟!
عودة إعلامنا وفي القلب منه صحافتنا قويًا يشار له بالبنان من مصلحة الجميع، إعلام لا يهتم باللت والعجن والدجل والشعوذة واختلاق معارك وهمية وترويج فضائح المشاهير وخناقاتهم وفتاوى الفتن المنافية لقيمنا الأصيلة وهتك الحرمات وانتهاك الخصوصيات وتهويل نقائص المجتمع وكشف عوراته.. فهل من المقبول ما يثيره الإعلام الرياضي من فتن وانقسام وما يبثه من عصبية جهارًا نهارًا.. وهل نرضى بمحتوى إعلامي يطغى عليه حشو يضر بأكثر مما ينفع ويشوه صورة الدولة والشعب بعد غياب الفكر الهادف القادر على صياغة رؤية خلاقة تتبنى واجبات الوقت وأولوياته الواجبة دون تهوين أو تهويل.
ما أكثر ما غاب الإعلام عن ملفات كان حضوره فيها واجبًا لا عذر في تخلفه ومنها الأمية والجهل والمرض وانحطاط الأخلاق والعنف ولاسيما الأسري والإدمان.. وتحقيق طفرة ملموسة في الإنتاج وتكريس قيم الولاء والانتماء الوطني.
أما غياب الحس الإعلامي ولا أقول الوطني لدى بعض إعلاميينا فمرجعه غياب العلم والخبرة والموهبة وإنعدام التدريب وتناقل الخبرات، والجهل بدور الإعلام ومقتضياته وحدود مسئولياته؛ ذلك أن الإعلام شأنه شأن أي مهنة هو علم لا فهلوة بل إنه بلا مبالغة هو أخطر المهن جميعًا؛ فهو يبني أممًا أو يهدمها بكلمة أو صورة أو شائعة.. وهوفوق ذلك جزء أصيل وكاشف لمنظومة ثقافية وفكرية واجتماعية تحدد اتجاهات الدولة وتعكس المستوى الفكري والثقافي والسلوكي لشعبها..
ضبط الأداء الإعلامي
والسؤال: لماذا لا يسمح لغير خريجي الطب والهندسة والحقوق مثلًا بممارسة تلك المهن.. لماذا أبواب الإعلام مفتوحة على مصاريعها للاعبي الكرة ونجوم الفن والرقص والطبخ والتجميل والموضة.. بينما هي موصدة في وجه أهل التخصص والرؤية والفهم. وإذا كان لا يسمح بمشرط الجراح لغير أهل الطب فكيف يسمح للدخلاء والهواة بأن يصوغوا وعي الشعب ويرسموا طريقه للمستقبل عبر الميكروفونات والأقلام؟!
قد يكون مقبولًا أن يصبح لاعب الكرة معلقًا لا مذيعًا ولا ناقدًا.. فالقاعدة القرآنية تقول بوضوح "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" وهم بالقطع أهل العلم والتخصص وهو ما تحتاجه جمهوريتنا الجديدة بشدة.. الاحتكام للعلم وتطوير البحث العلمي.. كما أنها في حاجة أشد لإعلام مهني قوي يملك أدواته ومقومات نجاحه وتأثيره.. وهو ما يتطلب العودة لأهل الكفاءة والتخصص والمهنية؛ فالحرية ليست -كما يفهما بعض مذيعينا وصحفيينا- نشر وإذاعة ما يشاءون دونما تحقق ولا تثبت أو مراعاة للمهنية والأمن القومي وهو ما يدفع الجميع ثمنه غاليًا.
ما أحوجنا اليوم مع جمهوريتنا الجديدة لاستعادة المعايير الموضوعية الضابطة للأداء الإعلامي، معايير ترتقي بالمهنة وتعصمها من الانفلات الذي يمارسه دخلاء ينتسبون زورًا وبهتانًا إليها.. معايير تحفظ لخريجي "إعلام القاهرة" حقوقهم وتضمن لهم تكافؤ الفرص في الوظائف ذات الصلة الأصيلة بدراستهم.
أهل مكة أدرى بشعابها ولا أن نعطى العيش كما يقال لخبازه؛ وكفانا فتح أقسام وكليات جديدة للصحافة والإعلام حكومية أو خاصة فقد بلغ سيل الخريجين الزبى ولم تعد سوق العمل تطيق المزيد منهم.. وتلك مطالب مشروعة يحدونا أمل أن تتبناها هيئات الإعلام والصحافة ونقابتاهما، وهم يحاولون ذلك بالتأكيد لإعادة الحياة لمهنة تصارع للبقاء وتحتاج لمواهب حقيقية تعيد إليها الحيوية والإبداع وتستعيد جمهورها من براثن السوشيال ميديا.
الإعلام ليس فهلوة يا سادة لكنه علم ورؤية وموهبة ورسالة أخلاقية تسعى نقابتا الصحفيين والإعلاميين ومن قبلهما الهيئات والمجالس المختصة لضبط إيقاعه وتوفير مناخ يسمح بأداء تلك الرسالة ويخدم أهداف التنمية الشاملة والمستدامة ويحصن الوطن ضد رياح أهل الشرر كما يطالب الرئيس السيسي دائما وفق منهج علمي رصين ولسوف يتحقق ذلك إذا اتحدنا جميعًا على كلمة سواء.. ولست أقول ذلك من باب النقد لكنها الغيرة على مهنة غالية قضيت فيها أكثر عمري ولا رجاء لي إلا عودتها لأبهى صورها وأعز أدوارها.. حفظ الله مصر.. حفظ الله الوطن.