دورة الطبيعة و الانقراض السادس المرتقب
في كتاب (مقال في المنهج) عبر أبو الفلسفة الحديثة روني ديكارت عن فكرة أن المعرفة العملية ستمكن الإنسان أن يصبح سيدا ومالكا للطبيعة، ثم جاء خلفه الفيلسوف الانجليزي فرنسيس بيكون ليؤكد الفكرة فيؤسس مصطلح الأورغانون الجديد، ليعبر عن الإنصات إلى الطبيعة وتسجيل الظواهر الطبيعية لتفسيرها ثم السيطرة عليها وتطويعها لصالح التقدم البشري..
فوضع احداثيات البحث العلمي بالمنهج الاستقرائي الذي يتخذه منهجا مستمرا في الأبحاث والدراسات العلمية لتذكرني بكيفية إستخدام الإنسان للنار في نهايات العصر الحجري، ليبدأ عصر جديد من الإستقرار مهد لبدء الحضارة الإنسانية وجاءت التكنولوجيا لتفتح آفاق أخري لتجعل الإنسان يصدق أنه قادر علي التلاعب بالجينات والتحكم بالظواهر الطبيعية بلا ضابط ولندخل في العصر الرقمي.. ولكن غضب الطبيعة قد يكون بلا حدود.
رشح بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت كتاب الإنقراض السادس لمؤلفته اليزابيث كولبيرت كأحد أفضل أهم كتب ينصح بقراءتها، ليطرح السيناريو الذي سيواجه الجنس البشري وهو الإنقراضَ السادس، بناء على الممارسات البشرية اعتمادا علي تفنيد معطيات الخطر الإيكولوجي ضد الطبيعة، ومؤخرا فازت كولبيرت بجائزة البوليتزر عن الكتابة غير الأدبية في 2015.
رغم ما أحرزه الإنسان من تقدم ولكن لم تعد الطبيعة تحتمل، وأصبح الكوكب يئن فتزايدت الأعاصير والبراكين وحرائق الغابات كمؤشرات علي الاحتباس الحراري، وعلي الجانب الآخر مازال الإنسان يري أنه سيد الطبيعة وينتهكها بلا حساب معتمدا علي قدراته التكنولوجية ورغبته المستمرة في استنزاف الموارد الطبيعية لتحقيق رفاهيته، وتستكمل المصفوفة من خلال زيادة سكانية مطردة تعتمد علي التطور الطبي لينتج إختلالا صارخا للتوازن الايكولوجي الذي خلقته الطبيعة لملايين السنين.
ناقشت كولبيرت أسباب إنقراض الضفدع الذهبي كنموذج لتكون المدخل لتفسير الإنقراض السادس المحتمل ولتشرح خمسة انقراضات كبري حدثت علي كوكب الأرض والتي سميت بالخمسة العِظام كانت نتاج لغضب الطبيعة لإعادة إنتاج مستقبل مختلف حيث ظهر نوع مستحدث من فطريات التشيتريد والأرجح أن الإنسان هو السبب بسبب نقل بعض أنواع الضفادع التي تحمل الفطر قارات أخرى مما سبب الانقراض الكامل..
ثم أشارت أن هناك أنواع من الحيوانات انقرضت بالفعل مثل حيوان الماموث الأمريكي علي يد العالم الفرنسي جورج كوفييه لتشرح الإنقراض كحدث طبيعي يتكرر جزئيا أو كليا مثل الانقراضات الخمس العظمي، ويرفض جورج كوفيه فكرة التطور بينما يختلف معه العالم تشارلز لايل حيث أنه لم يجد دليل على كارثة جيولوجية ثم يأتي داروين الذي يؤمن بنظرية التطور والإنتقاء الطبيعي للكائنات ثم يأتي اكتشاف ألفاريز أثر لسقوط كويكب عملاق بالأرض مما سبب القضاء على نحو ثلاثة أرباع الأنواع بما جعل نظرية التطور محل نقاش مما أشار إلي فكرة راسخة علمية وهي أن الانقراضات العظمي حدثت بسبب غضب الطبيعة.
النشوء والإنقراض للأجناس المختلفة هو الحقيقة العلمية المثبتة ولا جدال عليها علي مر تاريخ الكوكب وبالطبع كانت الظواهر الطبيعية والاوبئة هي الفاعل الأكبر للإنقراضات السابقة. ناقشت دراسات علمية إنقراض وإنهيار حضارات إستوطنت الشرق الأوسط تاريخيا ولكنها إختفت رغم تقدمها وبقيت وإزدهرت الحضارة المصرية، فسرها العلماء بحدوث حالة من الجفاف وتوقف الأمطارلسنوات قد تكون هي السبع سنوات العجاف (التي تولي فيهم يوسف إطعام الشعب المصري والشعوب المهاجرة) فقويت الدولة المصرية وإستقبلت النازحين أثناء أزمة مناخية ضربت المنطقة التي كانت مزدهرة بالحضارات الغابرة.
من المخيف أنه مع تفاقم الظواهر الطبيعية ما قبل الإنقراض تاريخيا قد تكون أقل عنفا مما نحن نعيشه في العصر الحالي من مؤشرات عالمية كأعاصير وحرائق وتلوث وفيروسات (سواء كانت طبيعية أو مصنعة معمليا) وكلها تندرج تحت لائحة تلاعب الكائن البشري الايكولوجي ضد الطبيعة ولكن هذه الظواهر كانت تاريخيا المؤشر دائما لقرب غضب الطبيعية، ولكن المختلف اليوم أن الإنسان تلاعب بالتوازن الطبيعي لدرجة أنه إستحضر مارد ثورة الطبيعة بسبب السلوك البشري المنتهك للموارد والطبيعة، والمسبب للتلوث بل وتلاعب في صناعة ظواهر طبيعية علميا بعكس إرادة التوازن الطبيعي المستقر منذ الاف السنين.. تدفعنا الأحداث لإتخاذ قرارات دولية ملزمة كدستور دولي للحفاظ علي التوازن البيئي المنشود أم سيصبح الإنقراض السادس حق دفاعي للطبيعة عن نفسها لإستعادة التوازن مرة أخري؟