مجمع الإصدارات المؤمنة خطوة نحو عصر رقمي
أثناء مشاركتي في الزيارة الرسمية لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب لمجمع الإصدارات المؤمنة والذكية بالعاصمة الإدارية رأيت حلما طالما راودني بتحقيق طفرة تكنولوجية تمكن مصر من التواجد كقوة إقليمية عظمى ورأيت في اللواء سامح العكاري مدير هذا الصرح العملاق الحماس والإرادة ليحقق حلم الدولة المصرية بالدخول إلي العصر الرقمي..
حيث إن منظومة المجمع لا تعمل فقط علي تأمين الإصدارات الحكومية ضد التزوير ولكنها أيضا تشمل حفظ البيانات الوطنية وتحليلها فتمثل عقل الدولة في إصدار قرارتها وتحليل معلوماتها طبقا لمتطلبات العصر في تفعيل واقعي للتحول الرقمي طبقا للمتغيرات العالمية وتولياه تماما بالوثائق الرسمية وصناعة أوراق البنكنوت وتكنولوجيا الهولجرام وتم تصميم المجمع طبقا للمواصفات العالمية حتي يمكن التوسع فيه مستقبلا لتستوعب دولا مجاورة.
العصر الرقمي
أرى أن مصر تخطو بخطوات واسعة نحو عصر Big data لتنتزع مقعدها بين الدول العشرين في النظام العالمي الجديد الذي يصفونه بأنه العصر الرقمي.. العصر الرقمي هو عهد جديد في الحضارة الإنسانية ولا يقل خطورة عن اكتشاف النار في أواخر العصر الحجري القديم فساعدته فى الطهى والإضاءة وإبعاد الحيوانات المتوحشة وصيدها، ويعتقد العلماء أن هذا العصر كان قبل نحو 100 ألف سنة قبل الميلاد، ومن هذه الفترة نشأ الإستقرار وتكونت المستوطنات وبدأت حرفة الزراعة ثم تطورت الحضارات، هكذا أيضا سيتحول العالم في العصر الرقمي نحو عالم مختلف تماما.
قانون مور الذي يوضح تنامي التكنولوجيا بشكل مفزع وانخفاض تكلفتها الإنتاجية، هذا القانون أطلقه جوردان مور أحد مؤسسي أنتل، يوضح حجم التسارع التكنولوجي المتوقع في عدد الترانزستورات في الاجهزة يتضاعف كل عامين مما يعني كفاءة وإمكانيات أعلي وإنخفاض التكلفة المستمر إلي جانب تطور الرقائق الإلكترونية بشكل مذهل ليس تراكميا وإنما تضاعفيا اَي أنه يسير بشكل متوالية هندسية وليس عددية وبالتالي فإن تضاعف التكنولوجيا يتم كل عامين فقط علي عكس الماكينات والصناعات التقليدية.
احتكار التكنولوجيا
إن مرشحة الرئاسية الامريكية ٢٠٢٠ إليزابيث وارن أعلنت برنامجها الانتخابي لتفكيك احتكار شركات التكنولوجيا وإجبارها علي بيع الشركات التي اشترتها وتبلغ ٥٠٠ شركة ناشئة كقضية مشابهة لتفكيك عملاق البترول ستاندرد أويل في القرن التاسع عشر وشركة (AT&T) في الثمانينيات لما يسببه الإحتكارعلي حرية الأسواق والمنافسة البناءة ودعم الشركات الناشئة..
عموما فإن دعوة إليزابيث وارن قد تأخذ سنوات ولكنها ألقت الضوء علي إحتكار سوق تكنولوجيا المعلومات وببساطة فإن المعلومات big data هي النفط الجديد الذي سيحقق الثراء، ولكن الشركات الكبري مثل فيسبوك وجوجل تحتكره وتستفيد منه مجانا من المستخدمين وتحلل المعلومات لاستخدامه لاحقا سواء في تسويق المنتجات أو تحليل المجتمعات والأفكار بدون أن تدفع قرشا للمستخدمين ذاتهم ولن تكترث لحقوقهم وهنا تكمن أهمية المعلومات بل وخطورتها في إدارة المجتمعات وتوجيهها حسبما يترائي لمن يقود هذه الشركات.
في أحد خطبه قال فلاديمير بوتين: "أيا كان من سيتبوأ هذا المجال فسيحكم العالم" في حديثه عن الذكاء الصناعي ومن الواضح أن أركان المعركة إشتعلت بين أمريكا والصين في أروقة مراكز البحث العلمي ومراكز المعلومات والشركات متعددة الجنسيات وجذب المواهب الشابة في الذكاء الصناعي.
إن أول مشاهد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا بدأت عندما إستهدفت هواوي الصينية إنشاء شبكة 5G (إنترنت الأشياء) وأعتقد إن ذلك كان خوفا علي النفط الجديد big data أي أن القطاع التكنولوجي شكل أهم قطاعات الصراع ومنذ قرابة ثلاثة أعوام أي قبل الحرب التجارية سربت وكالة رويتزر أن هناك تقريرا مخابراتيا أمريكيا يقترح تغيير قواعد إستحواذ الهيئات الصينية علي الشركات الأمريكية وخاصة الناشئة التي تكرس جهودها علي تطوير الذكاء الصناعي قد تستخدمها الصين لأغراض عسكرية ولكن في كل الأحوال ضمان تفوق الولايات المتحدة تكنولوجيا ثم اقتصاديا وخاصة في الذكاء الصناعي، هو أمن قومي نحو الإستمرار كقوة عظمي ومن الملفت للأنظار هذه الحادثة من المرات القليلة تاريخيا التي تتدخل الأجهزة المخابراتية الأمريكية إقتصاديا طبقا لمباديء السوق الحر التي تدعمها أمريكا..
ورغم أن القليلون في البنتاغون يرون الصين عدوا محتملا ولكنها المنافس الإقتصادي علي المدي الطويل وقوة عظمي محتملة ولا يجب أن تتخطي دورها كمصنع العالم وليس قائد للريادة التكنولوجية والإبتكار وهو ما تسير عليه الصين اليوم ورغم أن دور لجنة الإستثمار الأجنبي بالولايات المتحدة سرية إلي حد ما فإن المتخصصون يعتقدون أنها مسؤولة عن إفشال الشركات الصينية في شراء جي سي اس هولدينج لصناعة الرقائق الإلكترونية وشركة ويسترن ديجيتال حفاظا علي الأمن القومي علي المدي الطويل، ويعد أخطر المجالات التي تثير قلق الأمريكيون هي إستخدام الذكاء الصناعي في التصميم الصناعي الذي تتفوق فيه الولايات المتحدة حاليا..
وقد فرضت وزارة الخارجية الأمريكية قيودا علي تصدير تكنولوجيا الذكاء الصناعي وقد كانت القائمة السابقة تشمل تقنيات عسكرية.. بسبب وجود نهم صيني نحو تقنيات الذكاء الصناعي مما أثار قلق الحكومة الأمريكية ومن تبعات القرار أن شركات مثل أبل وجوجل تعتمد علي الصين في إستثماراتها ستضطر لتغيير اتجاهاتها أيضا هناك الشركات الأقل حجما ستضطر لوقف طموحاتها نحو التوسع الدولي أيضا سيكون للقرار أثرا علي الجامعات ومراكز البحث العلمي التي تعتمد علي باحثين من جنسيات مختلفة.. سيظل التحدي أمام القرارات الأمريكية هو إنتقال التكنولوجيا من خلال الإنترنت وخاصة شبكات deep web غير الرسمية.
أهمية المجال التقنى
يعتقد إيلون ماسك أن الذكاء الصناعي سيتفوق على الذكاء البشري سنة ٢٠٣٠، مما يثير قلق العلماء أنهسيكون قادرًا على التحكم في مناحي الحياة، بما يشكل ضررا بالغا ضد البشرية، وخاصة الفئات محدودة الإمكانيات وينافسها في وظائفها ولكن ماسك يطرح حلا قد يوفر طفرة للذكاء البشري ألا وهي مفهوم الرباط العصبي لتطوير العقل البشري لينافس بقوة الذكاء الصناعي من خلال تحفيز مراكز عصبية بالعقل البشري تحت مسمي دمج الإنسان بالآلة التي قد تطورت أيضا لأعضاء صناعية خارقة لدمجها بالبشر لتصبح واقعا وليس خيالا كأفلام الخيال العلمي والاخطر هو الهندسة الجينية لصناعة أجيال بشرية خارقة.. وأري أن الذكاء الصناعي سيكون قادرًا يوما ما على حكم المدن بقوانين وقواعد محددة بما يضمن حلول لمشكلات وأخطار عالمية تواجه الكوكب..
أما ستيفن هوكينج عالم الفيزياء ومدير الأبحاث في جامعة كامبريدج فإنه يري أن تفوق الروبوت على الإنسان وخاصة في القطاع العسكري أو في السيطرة على الإنسان والتحكم فيه قد يكون مدمرا للحياة البشرية، أما نيك بوستروم فقد ألمح أن تطور الروبوت قد يؤدي لفناء البشرية وتوحش الروبوت ضد البشر.
رغم أن الولايات المتحدة تمتلك وتتفوق في مراكز المعلومات data centres و لكن الصين أيضا موجودة بقوة في ذات المجال ومن دراسات إستشراف المستقبل نري أن الدول المتأخرة في هذا القطاع ستكون خارج الدول العشرين، مهما كانت مقوماتها لذا تجتهد الدولة المصرية لتكون دولة رائدة في ذات المجال التقني لتكون قوة إقليمية عظمي لأن العالم سيكون له اقطاب متعددة في نظامه الجديد .
أري أن مصر تسير علي الطريق الصحيح وأتمني أن تكون الخطوة القادمة هي أن تكون مدينة العلمين مركزا عالميا لجامعات الذكاء الصناعي ولاستقطاب رواد الأعمال في الذكاء الصناعي وأن تكون ملاذا ضريبيا آمنا لهذا القطاع الاستراتيجي لإستقطاب الموهوبين عالميا في القطاع الاستراتيجي المكمل لمراكز المعلومات data centres مع خطوات جدية نحو إستعادة هيبة الدولة المصرية.