الصين وأمريكا والحرب العالمية الثالثة
تشرح نظرية “مصيدة ثوكيديدس” التي أسسها جراهام أليسون المحاضر بجامعة هارفارد بأن خطر الحرب بين القوتين الأكبر أصبح وشيكا مع تنامي قوة الصين الصاعدة وتراجع نفوذ الولايات المتحدة للعبور إلى مرحلة "انتقال القوة".. بدءا من الحرب التجارية بين الطرفين وأثار جائحة كوفيد ١٩ التي اتهمت فيه منظمة الصحة بتواطئها مع الصين ومع تراجع نفوذ دول وأهمها الاتحاد الأوروبي ثم الولايات المتحدة بناء على الأزمات الاقتصادية إلى إحداثيات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الصناعي الذي تتفوق فيه الصين بما انعكس علي مستقبلها الاقتصادي إلى مشروع طريق الحرير الذي يشكل العالم إقتصاديا ناهيك على التطور التسليحي للجيش الصيني بالصواريخ الهايبر سونيك الذي تعجز منظومة الدفاع الجوي الأمريكي عن مواجهتها، كل هذا شكل تنامي نفوذ الصين بشكل مقلق للغرب.
عموما كان صعود الصين منذ الثمانينات مع الإصلاح الاقتصادي أمرا تباركه الحكومات الأمريكية خاصة أن الصين حققت رخاء المواطن الغربي حيث إنها وفرت المنتجات الإستهلاكية بتكلفة أقل وكانت الدول الغربية منوطة بالابتكار وقيادة المشهد الصناعي لعقود بعيدا عن التلوث الناتج من المصانع وقوانين العمل التي لم تمثل عائقا في الصين، بما جذب استثمارات متعددة الجنسيات فحازت على لقب مصنع العالم، على عكس أوروبا التي مثلت طاردا للصناعة لذات الأسباب وكانت الأسواق الغربية أهم مستهلك تجاري للصين، وكان هناك مصطلح اقتصادي شهير يشرح علاقة الاقتصاد الأمريكي بالصيني ( chainamrica ) بما يجعل العلاقة الاقتصادية النفعية هي الحاكم، لكن مؤخرا خلال السنوات القليلة الماضية تغيرت استراتيجية الصين نحو الغرب.
تفوق الصين
أصبحت الإبتكارات الصينية تتفوق وبالتالي شكلت الصين منظومة صناعية متكاملة لا تعتمد على مراكز الأبحاث والجامعات الغربية واتضح ذلك في التفوق التكنولوجي بمعنى أبسط لم يصبح الصين تابعا للاقتصاد الغربي وبدأت تتحرر سياسيا.
مشروع طريق الحرير أثبت أن الصين تستهدف السيطرة على طرق التجارة العالمية والأسواق الناشئة وإذا سارت الأمور بهدوء ستكون الصين بناء علي هذا المشروع الدولة العظمي الأولى عام ٢٠٤٨.. أصبحت الشركات الصينية تقتنص التعاقدات من الشركات الغربية بشراسة على نحو لم يشهده العرب في أفريقيا والدول النامية بل وصل لمحاولة اقتناص هاواوي لشبكة 5G في أوروبا بما اعتبرته أمريكا خطرا على تملك الصين لمعلومات كاملة تشكل قوة فيما بعد Big Data
إختراق الصين للمنظمات الدولية أثار مخاوف الغرب من توحش نفوذها الدولي.. حجب المعلومات خلال تفشي كوفيد ١٩ سبب جائحة عالمية أضرت بالاقتصاد العالمي.. التلوث البيئي الذي قد يسبب دمار الكوكب مصدره الرئيسي الصين بما يحملها الجزء الأكبر من المسئولية.
مصنع العالم
كانت الصين لعقود تعتمد على نفسها في توفير مصادر الطاقة ولكن اليوم أصبحت أكبر مستهلك عالمي مع تحركها لتأمين نفوذها حول مصادر الطاقة عالميا.. وكونها مصنع العالم احتكرت كل الصناعات الإستراتيجية ولكن إبان الجائحة لم تسمح لشركات صناعات طبية أمريكية الجنسية بتصدير منتجاتها خارج الصين إلي دولة المستثمر بما شكل خطرا استراتيجيا فتح الأعين نحو تنويع مصادر الصناعات.
بدأت الصين تضيق الخناق علي القطاع الخاص بما سينعكس على الاستثمار الأجنبي تباعا وأشارالمحللين أن الحزب الشيوعي بعقيدته يقف خلف هذه السياسات بما يجعل الحزب لاعبا جديدا في الإقتصاد بمنهجية جديدة تماما تنبع من عقيدته الشيوعية.
توقعت مجلة فورين بوليسي سيناريوهات عن تعامل الصين مع تحدياتها بناءً على أداءها حاليًا:
إقتصاديًا: مضاعفة جهود إنشاء مجال نفوذ في التقنيات الحيوية كالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وتكنولوجيا 5G وتوسيع شبكة النفوذ في مختلف القارات.
عسكريًا: تطوير وتمكين الجيش لتأمين خطوط الإمداد الطويلة وتأمين مناطق مشروعات البنية التحتية في وسط آسيا وأفريقيا وغيرها.
مواجهة اليابان والفلبين والدول الأخرى المتمردة علي تنامي قوة الصين في بحر الصين الجنوبي والشرقي.
خيار الحرب لحل قضية تايوان بشروطها سريعا في ظل التفوق الصيني الحالي خاصة في مجال الصواريخ الهايبر سونيك (أسرع من الصوت ٢٠ ضعف)
الذكاء الصناعي
يوما ما صرح بوتين أن القوة العظمى القادمة هي من ستفوز في نطاق الذكاء الصناعي وهنا تشير المقولة إلي الولايات المتحدة والصين.. ولكن هناك أزمة اقتصادية تنتظر الصين مصدرها إنهيار إيفرجراند وهي شركة تطوير عقاري صينية مديونة بأكثر من 300 مليار دولار مع وجود 7.4 مليار دولار من السندات المستحقة العام القادم بما يجعل انهيارها سيؤثر على الأسواق العالمية حيث أن “إيڤرجراند” أصولها بقيمة 368 مليار دولار، 83% منها التزامات بقيمة 305 مليار دولار، طبقًا لميزانية العام الماضي وتظهر إلي الأفق ملامح صدام عسكري مع تايوان وعلي صعيد آخر تظهر ملامح مجاعة تضرب كوريا الشمالية إثر الأزمة الإقتصادية.
بعد إعلان أمريكى- أسترالي- بريطاني سمي تحالف "أوكوس" الأمني الذي بدأ بصفقة غواصات نووية أمريكية إلى أستراليا لتعزيز دفاعاتها البحرية وكذلك إلغاء أستراليا صفقة مع فرنسا لشراء 12 غواصة بقيمة66 مليار دولار مؤخرا ترأس جو بايدن اجتماعا يدشّن فيه "حلفًا رباعيًا جديدًا ضد الصين" يشاركه رئيس وزراء الهند ناريندا مودي ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون ورئيس وزراء اليابان يوشيهيدي سوكا لبلورة استراتيجية عسكرية شاملة في المحيطين الهندي والهادئ.
هل تتوقف الولايات المتحدة لتشاهد صعود الصين كقوة عظمى عالمية بلا رادع أم ستلجأ إلي التفاوض كما تعاملت مع الإتحاد السوفيتي وهل يقبل العالم قوة عظمى بدون تمهيد ثقافي مارسه الغرب لقرون في شكل القوة الناعمة.. فهل ستقبل شعوب العالم أن يتسيد الجنس الأصفر على الجنس الأبيض الذي اعتقدت قبائل أفريقيا وآسيا إنه نصف إله؟