محطة مهمة.. لم أطلب يومًا ترقية أو منصبًا!
بعد رحلة كفاح طويلة في صاحبة الجلالة بدأت منذ عام 1975 ترقيت في عملي بجريدة الجمهورية من محرر لرئيس قسم ثم نائب لرئيس التحرير ثم نائب أول، فرئيسًا لتحرير كتاب الجمهورية ثم رئيس لمجلس إدارة دار التحرير (الجمهورية للصحافة)، والحمد لله أني مع كل صعود في عملي لم أكن أطلب ترقية ولا منصبًا من أحد، بل كان توفيق الله وإيماني أولًا بأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا هما سندي ودافعي للاجتهاد ثم حبي للمهنة هي أهم مؤهلاتي للنجاح فيها.
وفي زماننا كانت الترقية لمن يستحقها بالفعل ولعدد قليل جدًا فلا يمكن أن يكون جميع المحررين نواب رئيس تحرير حتى لو كان جالس في بيته فالترقية صارت بالأقدمية لكل المحررين هو أحد أسباب تدهور الصحافة وانصراف القارئ عنها فلم نعد نرى المحرر المتميز الذي ينفرد بخبر أو عمل تحقيق عاجل أو حملة صحفية أو تحليل لقضية من القضايا إلى آخره.
شكاوى الناس
وثمة محطة أراها مهمة في مشواري الصحفي وهي تكليفي من الكاتب الصحفي الكبير سمير رجب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير بتأسيس والإشراف على قسم الخدمات الصحفية المتميزة، 139 جمهورية هكذا سماه، وهو أيضًا الخط الساخن، بالإضافة إلى عملي كنائب أول لرئيس التحرير ومسئول عن ملف النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ولعلني لا أبالغ إذا قلت إن 139 جمهورية خدمة صحفية انفردت بها الجريدة وامتازت على سائر الصحف وقتها ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله؛ وكان مندوبوه الذين شاركت في اختيارهم كشرط لقبول الإشراف على القسم، فضلًا على التواصل المباشر مع الديسك.. هؤلاء المندوبون لا يكلون ولا يملون العمل ليل نهار، منهم من يتلقى شكاوى الناس واستغاثاتهم واتصالاتهم، مصغيًا لمتاعبهم وأوجاعهم، ومنهم من كان يطوف بها على المصالح والأجهزة الحكومية والوزارات المختلفة ويطرق أبواب المسئولين بحثًا عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعًا لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة والأعذار..
ومنهم من يقوم على صياغتها وإعدادها للنشر ويحيل تلك الشكاوى والاستغاثات إلى تحقيقات وحملات صحفية عاجلة حققت نجاحات باهرة شكلت قناة تواصل سريعة بين المسئول والمواطن، وهي شكاوى يومية كانت تنهمر لدرجة أنها يمكن أن تملأ 5 جرائد كاملة واستجابات تحتاج إلى مساحات كبيرة لنشرها.
139 جمهورية كانت تخاطب جميع فئات المجتمع، لكن البسطاء والفقراء كانوا انحيازه الأول حتى أن الفكرة تطورت لتخصص بابًا لأعمال الخير ومساعدة المحتاجين وتقديم العلاج المجاني لمن لا يقدر على شرائه بعد التأكد من حالة طالبي الخدمة بطرق موضوعية.
امتاز خط الجمهورية الساخن بديناميكية اكتسبت فعاليتها من الاسم والرقم المختصر الذي كان أيقونة صحفية فريدة أسهمت في سرعة الاستجابة لمشكلات الناس وقدمت لهم ما ينفعهم، وعمقت الدور المجتمعي للجريدة وهو ما زادها انتشارًا وتوزيعًا بالضرورة؛ فكانت الفائدة مزدوجة؛ ربح منه الجميع، المواطن والحكومة والمهنة.. ولست أدري لماذا انطفأ هذا التوهج.. وتراجع هذا الدور بعد استقالتي من منصبي كرئيس لمجلس إدارة الجمهورية في 2011؛ فلم يهتم من خلفني في إدارة المؤسسة بهذا القسم المهم وإسهاماته الحيوية في خدمة الناس وتنشيط الجريدة.