أستاذ الأساتذة الذي أحببت الصحافة على يديه!
بدأت رحلة عملي في بلاط صاحبة الجلالة منذ عام 1975 عاصرت فيها الكثير والكثير من الأحداث والأشخاص والمواقف والتحولات الكبرى رأيت فيها الإعلامي الحر المهني الملتزم والإعلامي المتلون والإعلامي المنافق.. رأيت شلة المنتفعين الذين يأكلون على كل الموائد وللأسف فالمسئول - أي مسئول- سرعان ما يقربهم إليه مع أنهم أول من ينقلبون عليه وقت خروجه من المنصب والأمثلة كثيرة وكثيرة..
وفي التاريخ دروس وعبر وتجارب لا تحصى.. وها هي أحداث يناير تكشف لنا زيف البعض وكيف تغيروا في طرفة عين من النقيض إلى النقيض وانقلبوا على من كانوا يتملقونهم بلا حياء ولا خجل.. وأنا هنا أقصد المثقف والسياسي والصحفي والإعلامي.
نجاحي في الثانوية العامة بمجموع كان يؤهلني للالتحاق بأي كلية يتمناها خريج القسم الأدبي أيامها، لكني مدفوعًا بعشقي للصحافة فضلت معهد الإعلام الذي حل بديلًا لقسم الصحافة بآداب القاهرة.. وكانت تلك أولى محطاتي في الحياة؛ فقد تقدمت للمقابلة الشخصية التي كان معهد الإعلام يشترط اجتيازها لمن يريدون الدراسة فيه، وتقدم لها نحو 1000 طالب اقتصر القبول على نحو مائة وخمسين منهم..
جلال الدين الحمامصي
ويومها التقيت رائد المهنية والالتزام، الهادئ المبتسم الذي يأسرك بشخصيته فتنجذب إليه بصورة طبيعية.. عرفت بعدها أنه الصحفي الكبير جلال الدين الحمامصي أحد أعضاء اللجنة المختصة بتقييم المتقدمين للمعهد.. الذي تحول للأسف إلى كلية الإعلام بجامعة القاهرة بعد دخولي بعامين ودخل دوامة مكتب التنسيق!
تأثرت به مع كثيرين غيري من أبناء دفعتي (دفعة 1976) والذين كان من بينهم زملاء أفاضل (عماد الدين أديب –عمرو عبد السميع –د. ليلى عبد المجيد –عبد الله السناوي –د. نجوى كامل –فلدان نوح –حمدين صباحي – وغيرهم وغيرهم)، ولمَ لا وقد كان جلال الدين الحمامصي أحد رواد الكتابة والحملات الصحفية والإخراج وصاحب المقالات القوية والبصمات المميزة.. تربى على يديه أجيال عديدة من أرباب القلم، وترك فيهم جميعًا بصمات واضحة ومشهودة.
لقد أحببت هذا الرجل النموذج في العطاء والالتزام الذي لا يضن بعلمه ولا بوقته، يبادر بالحضور قبل المحاضرة ويدفعك بحرصه وحيويته واقتداره إلى التفاني في التحصيل الدراسي والاجتهاد والإبداع.. وتشربنا على يديه مبادئ الصحافة وأساسياتها في قاعات الدرس، وفي التدريب العملي بجريدة صوت الجامعة، وتعلمنا اكتشاف الأخطاء المهنية في الصحف وربطها بحرية الصحافة والمسئولية الأخلاقية والمهنية.
جلال الدين الحمامصي -رحمه الله- كان مدرسة متفردة في الصحافة وفي التواصل الإنساني مع تلاميذه، كان يرهف السمع إلينا، ويتفاعل مع أفكارنا ويحترم حقنا في الاختلاف.. حبّب إلينا مهنة الصحافة وأخذ بأيدينا لارتيادها بشغف ورغبة في تحقيق الذات حتى اجتزنا أولى محطاتها وأجملها لألتحق بعدها للعمل محررًا بجريدة الجمهورية التي كان يرأس تحريرها آنذاك الصحفي الكبير محسن محمد بقرار من الرئيس السادات عام 1975.