دستور التعامل بين الناس!
لم يترك القرآن مسألة المعاملات بين الناس دون أن يضع لها دستورًا واضحًا وقاعدة سلوكية مهمة لفن التعامل مع الناس يقول الله تعالى "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف: 199)، فالآية تركز على ثلاثة مبادئ أساسية؛ أولها العفو والصفح عن الناس ولاسيما المسيئون منهم، وإلا ما تطلب الأمر عفوًا وتسامحًا؛ أما الثاني فهو الأمر بالعرف وهو أن تلقى الناس بخلق لين ولطف ومسامحة وهدايتهم لكل خير وفضيلة.. وأما الثالث فهو الأفضل من الأول والثاني؛ ذلك أن الإعراض عن الجاهلين قمة في الإحسان ونسيان الإساءة ممن أساء إليك والعفو عنه وعدم الالتفات لسوء ما صنع.
لا أحد منا لم يذق طعم القسوة؛ ذلك أن أغلبنا تعرض لمواقف حياتية صعبة تختلف شدتها من إنسان لآخر، لكن في النهاية شعر كل منا ب قسوة الزمن وقسوة من تسبب في إيلامنا.. وكم من أسرة تشتت أفرادها بفضل قسوة أحد أفرادها.. وكم من آباء طغوا على بنيهم بطيش انفعالهم وقسوة قلوبهم وشدة عصبيتهم وانفلات غضبهم فدمروا أولادهم وأسرهم ثم يتحسرون بعد فوات الأوان..
وكم من مسئولين اعتلوا مناصب وبنوا بسببها علاقات اجتماعية استغلوها لمصالحهم الشخصية واستأثروا بمنافعها لهم ولأقاربهم ضاربين عرض الحائط بكل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وهم بذلك السلوك يمارسون لونا من القسوة مع الآخرين ويغرسون الحقد والعداوة في نفوسهم، ويتعالون على القيم الإنسانية والأخلاقية الرفيعة في الحياة.
فماذا يمكن أن ننتظر من هؤلاء وأضرابهم.. وهل يجنى أمثالهم إلا قلوبًا قاسية تباعد بينهم وبين الناس.. وكم من قلوب قاسية تعيش بيننا متسترة بابتسامة مصطنعة تنقشع يومًا بعد يومًا لتظهر حقيقة قلوبهم وتكشف عن زيفها وسوء طويتها.. وكم من أصدقاء نتقاسم معهم هموم الحياة ونشاركهم أفراحنا وأتراحنا ثم نصطدم بكذبهم وغلظة قلوبهم.. والحياة حافلة بالمواقف.. فكم من الأبناء يقسون على والديهم بلا رحمة ويجحدون فضلهما بلا ضمير ويديرون لهما ظهورهم في ساعة هم أشد ما يكونان احتياجًا للمساعدة والدعم لا لشيء إلا ليشبع هؤلاء الأبناء العاقون رغباتهم المارقة وشهواتهم الدنيئة.