دين الأمريكان والإسرائيليين
لا أستطيع وصف مؤامرة الديانة الإبراهيمية التي حاول الأمريكان تسويقها خلال الشهور الأخيرة، سوى بالوهم الذي لن يأتي سوى بمردود عكسي على المسلمين والمسيحيين واليهود في منطقة الشرق الأوسط، لا لشيء سوى أنهم يعتبرون معتقداتهم الدينية خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه أو العبث في محتواه، مثلما يحاول مروجو الدين الجديد.
وحتى نقترب من قصة الدين الإبراهيمي بشكل أكثر وضوحا، فقد بدأت فصولها تتضح قبل شهور قليلة من إنتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتحديدا بعد رضوخ 4 دول عربية للضغوط أمريكية والتوقيع على اتفاقيات بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، تم تمريرها تحت مسمى اتفاقيات إبراهام في إشارة إلى الاسم العبرى لنبى الله إبراهيم وهو ما أثار كثيرا من الشكوك حول وجود أهداف يرمى إليها الأمريكان والإسرائيليون من وراء استخدام اسم أبو الأنبياء عليه السلام.
الدين الإبراهيمي
وزاد من الشكوك، أن تلك الاتفاقيات أعقبتها دعوات مجنونة لدين جديد أطلق عليه اسم الدين الإبراهيمي أطلقتها مراكز بحثية ضخمة وغامضة ومنتشرة في أغلب دول العالم، يطلق عليها مراكز الدبلوماسية الروحية تتخذ من البحث فى ظواهر تفشي الإرهاب والجريمة ستارا لنشر أبحاث تحمل الأديان السماوية الثلاث مسئولية كل المشكلات الموجودة على الكرة الأرضية.
للأسف أن الأمريكان يقدمون تلك المراكز المشبوهة فى الدول الفقير ومناطق الصراعات التى يعانى الملايين فيها من الجوع كمراكز إنسانية، تقدم المساعدات المادية والعينية والرعاية الطبية وتمول المشروعات التنموية، ومن خلال دعم مباشر وكبير تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي ومنظمات دولية كبرى من بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ليتثى للقائمين عليها القيام بدورهم فى التشكيك فى الأديان السماوية الثلاث ومحو هويتها، وتصويرها أمام الأجيال الجديدة بأنها المسئول الأول والمباشرة فى إشعال الحروب والصراعات والجرائم والإرهاب والتناحر الدينى والطائفى عدم تقبل الآخر نتيجة لنصوص دينية غير صحيحة.
ليس هذا فحسب، بل وتقديم الدين الأمريكي الإسرائيلي الجديد كنموذج مبهر لإعلاء قيم المحبة والتسامح والمساواة وتقبل الآخر، بشكل يسمح بحل كل الصراعات ووقف نزيف الدم فى العالم، وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي، في محاولة لتغيير النظرة الكارهة للدولة الصهيونية، وتمكينها من التوغل وبسط سيطرتها على دول المنطقة.
اختبار ردود الأفعال
الغريب فى الأمر أن المشروع العبثى الذى يطرحه الأمريكان والإسرائيليون سبق فشله وطرحة أكثر من مرة، حيث تم تقديمه للعالم فى عام 1811 تحت مسمى الميثاق الإبراهيمي للجمع بين المؤمنين من مختلف الديانات فى الشرق والغرب، ولم يجد أدنى صدى، كما تناوله المستشرق الفرنسى لويس ماسينيون فى عام 1949 في مشروع الصلوات الثلاث لإبراهيم وفشل أيضا، ثم أعاد الأمريكان إحياءها في مشروع الديانة الإبراهيمية ووجدوا في اتفاقيات أبراهام فرصة لإعادة طرحه من جديد.
غير أن المتابع لمشروع الدين الأمريكي الإسرائيلي يستطيع أن يكتشف وبسهولة، أن واشنطن قد شرعت فى إعادة إحيائه منذ منتصف التسعينات من القرن الماضى، حيث قامت بدعم مراكز الدبلوماسية الروحية من خلال برنامج أبحاث الحرب والسلام الأمريكي الذي قام باختبار مفهوم الدين الإبراهيمي بشكل فعلى في عام 2000 بالتعاون مع جامعة هارفارد التي أوفدت في ذلك الحين فريقا بحثيا على مستوى عالٍ من التخصص إلى منطقة الشرق الأوسط، لاختبار ردود أفعال المسلمين والمسيحيين واليهود تجاه الدين الذى يحمل اسم نبي الله إبراهيم، ويعلي قيم التسامح وقبول الآخر، ويمكن من خلاله إنهاء الصراع العربى الإسرائيلي وكافة أشكال الصراعات بالمنطقة.
الواقع يقول إن تسمية اتفاقيات التطبيع الأخيرة مع الكيان الصهيونى باسم أبراهام والدعوى للدين الإبراهيمي لم يأت مصادفة، ولكن وفق مخطط لخدمة المصالح الأمريكية - الإسرائيلية فى المنطقة من مفهوم ديني، وتوظيفه سياسيا لفرض تحالف مدعوم من واشنطن، يضم دول عربية تحت قيادة إسرائيل، يضمن آمنا ونفوذا لتل أبيب ويواجه الخطر الإيراني على مصالح الدولتين بالمنطقة، وهو ما طالب به رئيس الوزراء الإسرائيلي صراحة، خلال اجتماعة مع الرئيس الأمريكي مؤخرا فى واشنطن، ويطالب به العديد من السياسيين داخل الإسرائيلي.
الواقع يقول إن الأمريكان والإسرائيليين لا علم لهم بمدى صلابة ورسوخ المعتقدات الدينية لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث بالمنطقة، والتى يصعب معها مجرد الإقتراب أو العبث بها ولو بمجرد الإشارة، وهو ما يجعل من الدين الأمريكي الإسرائيلي مجرد سراب محكوم عليه بالإعدام قبل أن يظهر.. وكفى.