قوت الغلابة يا حكومة
لا خلاف على أن موجة التضخم التى طرأت على العالم خلال الشهور الأخيرة قد وضعت الحكومة المصرية فى مأزق، سيجبرها على اتخاذ قرارات اقتصادية تمكنها من جلب موارد جديدة للحد من تحقيق عجز بالموازنة، وهو ما أتمنى ألا يعود بالسلب على أسعار السلع الأساسية، وإضافة أعباء جديدة تزيد الغلابة معاناة فوق معاناتهم.
فخلال الشهور الأخيرة سجلت معدلات التضخم فى العالم معدلات قياسية بفعل جائحة كورونا وارتفاع أسعار البترول والغاز الطبيعي، وهو ما أدى بالتبعية إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية فى الأسواق العالمية، مثل القمح والذرة والزيوت والسكر والأعلاف، وهو ما لم تتوقعه الحكومة المصرية - مثل كثير من دول العالم - عند وضع الموازنة العامة للدولة، مما سيدفعها بالتأكيد إلى اتخاذ قرارات اقتصادية تضمن تحقيق موارد جديدة تعوض تلك الارتفاعات العالمية، وتقليص حجم العجز المتوقع في الموازنة.
ورغم أن موجة التضخم الخانقة لم تؤثر على مصر حتى الآن، فإن المؤشرات تؤكد أن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي سوف تبدأ فى اتخاذ إجراءات اقتصادية ستحرك بموجبها الأسعار بشكل سوف يؤثر كثيرا على الأغلبية العظمى من المصريين، الذين أصبحوا بالفعل لا طاقة لهم بتحمل مزيد من الأعباء التى تتوالى بشكل أرهق كاهلهم منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي فى عام 2016.
تقليص الدعم
ولعل ما يدعو للقلق، أن الحكومة قد بدأت بالفعل في إجراءات تستهدف تقليص فاتورة الدعم، وتزيد من معاناة الغلابة، حيث أعلنت عن رفع سعر الزيت التمويني بمقدار 4 جنيهات للكيلو جرام الواحد بدءا من الشهر القادم، ورفع أسعار البنزين بواقع 25 قرشا للتر الواحد للمرة الثالثة هذا العام، ورفع سعر الغاز الطبيعي للمصانع بواقع يتراوح بين 0،25 دولار و1،25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية لمصانع الحديد والأسمنت والبتروكيماويات والأسمدة، وهو ما سينعكس بالتأكيد على ارتفاع أسعار تلك السلع في الأسواق المصرية.
ولعل ما يدعو للدهشة، إنه كان بإمكان الحكومة عدم الاقتراب من صلب حياة الغلابة، وعلاج الأزمة وتوفير مليارات الجنيهات من الرواتب والحوافز والمكافآت التي يتقاضاها آلاف القيادات والتى تصل لملايين الجنيهات شهريا، وعدم الاكتفاء بقرار رئيس الوزراء الذي صدر بهذا الشأن منذ أيام، والذى أصابه التوفيق فى خفض بدلات الاجتماعات والجلسات واللجان بكل قطاعات الدولة بواقع 50%.
غير أن القرار لم يقترب للأسف سوى من فئات -غير أصحاب رواتب الملايين- إلى جانب أنه أوقف التعيينات والترقيات والتسويات سوى بقرار منه، ولغير الوظائف القيادية، بل وحظر الصرف على المنح التدريبية والدراسية في الداخل والخارج.
كما لا أدرى كيف لم تفكر الحكومة فى تقليص العجز المتوقع، بالإسراع في توسيع القاعدة الضريبية، والحد من التهرب الضريبي، وضم الاقتصاد غير الرسمى الذى يتجاوز تريليونات الجنيهات إلى قاعدة الاقتصاد الرسمى، على غرار ما قامت به مؤخرا مع التجارة الإلكترونية، بدلا من الجور على دعم الغلابة.
مواجهة التضخم
كما انه مازال بمقدور الحكومة عدم المساس بدعم الغلابة، واستخدام المبالغ المدرجة في الموازنة تحت بند الاحتياطي، والتي عادة ما تستخدم في حالات الطوارئ أو زيادة الاحتياجات الفعلية عن الأرقام المستهدفة للمصروفات، خاصة وأن وزارة المالية قد وضعت 10 مليارات جنيه كاحتياطى فى باب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و51،1 مليار جنيه كاحتياطى فى باب الأجور، و4،8 مليار جنيه كاحتياطى فى باب شراء السلع والخدمات، و9،8 مليار جنيه كاحتياطى أيضا فى باب الاستثمارات.
كما أنه مازال أمام الحكومة فرصة لعدم المساس بقوت الغلابة وتقليص العجز المتوقع بالموازنة، من خلال استغلال الزيادة المتوقعة من صادرات البترول والغاز الطبيعي التي ارتفعت عالميا، خاصة أن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تؤكد ارتفاع الصادرات المصرية من المواد البترولية خلال الربع الأول من عام 2021 إلى 1،819 مليار دولار، بزيادة تصل إلى 33،8% عن ذات الفترة من عام 2020 والتى حققت مصر خلالها صادرات قدرها 1،359 مليار دولار.
فى الوقت الذى تقول فيه لغة الأرقام أن مصر قد حققت خلال الربع الأول من العام الحالي صادرات من الغاز الطبيعى تقدر بـ 564 مليون دولار، بزيادة بلغت 315% عن نفس الفترة من العام الماضي، والذى حققت فيه مصر موارد بلغت 136 مليون دولار، أى أن هناك فرصة لتعويض الارتفاعات العالمية في أسعار السلع الأساسية.
يقينى أن المواطن الفقير لم يعد بمقدوره تحمل مزيد من الأعباء، خاصة فى ظل الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع الأساسية، ولاسيما بعدم إقدام الحكومة على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قلصت بمقتضاه دعم المواد البترولية والكهرباء والمياه، ورفعت أسعار كل الخدمات، وتحمل البسطاء توابعه الثقيلة على مدار 6 سنوات دون كلل أو ضجر، وأن العقل الآن يفرض على الحكومة ضرورة البحث عن موارد جديدة تواجه بها موجة التضخم والارتفاعات العالمية، دون المساس بقوت الغلابة.. وكفى.