الكلمة بين السعادة والتعاسة!
لم تحظَ الكلمة الطيبة بكل هذا الاهتمام من فراغ؛ ذلك أنها تترك في دماغ المتلقي أثرًا لا يزول بمرور الوقت؛ هذا بين الناس بعضهم بعضًا فما بالك إذا كانت الكلمة صادرة عن إعلام سريع الانتشار قوي التأثير؛ ومن ثم فقد وجب الحرص على ترك الأثر الطيب في أدمغة ملايين المشاهدين وقلوبهم فلا ندرى أن كلمة طيبة قد تكون سببًا في دخول الجنة.
الكلمة قد تدخل السعادة لقلوب الناس أو تكون سببًا في تعاستهم وشقائهم، والكلمة الخبيثة قد تكون أكثر إيلامًا من العقاب البدني ولذلك قال الله تعالى في شأنها: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ.. وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" (إبراهيم: 25،24).
أما دعاوى بعض الباحثين والمتخصصين بأن العصا والحجارة يمكنها أن تكسر العظام بينما الكلمات لا تؤذي فهى دعاوى باطلة؛ ذلك أن ذكريات التجارب العاطفية السلبية أكثر إيلامًا من نظيرتها المتعلقة بالإيذاء البدني.. وهذا ما يدركه الرئيس السيسي بعمق يجعله يطالب الإعلام وأرباب الأقلام والمذيعين بتوخي الدقة والموضوعية فيما يسطرون ويذيعون من أفكار وكلمات تشكل وعي الناس ووجدانهم وتبصرهم بالحقائق وتغرس في الأجيال الجديدة منظومة القيم والأخلاق والمثل العليا الرشيدة.
أمانة الكلمة
رفيعة هي منزلة أصحاب القلم والكلمة عند الله والناس؛ لكن أي الأقلام وأي الإعلام يستحق تلك الدرجة الرفيعة وذلك التكريم السامي.. هل يستوي الأخيار والأشرار.. هل يستوى المنصفون المخلصون والمغرضون الأفاكون.. هل يستوى المعتصمون بالحق الثابتون على المبادئ ومن يروجون للباطل ويدعون للزيف والبهتان.. من يتحرى الصدق والموضوعية والأمانة المهنية متثبتًا من كل معلومة مهما يكلفه ذلك من مشقة وتعب ومن يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون وينتهكون الميثاق ويشيعون الكذب ويطلقون الشائعات..
من يؤدون أمانة الكلمة ويوفون بعهدهم وقسمهم ويدفعون ضريبة الثبات على الحق ومن يستسهلون التلون والخداع والنفاق ويهادنون الفساد رغبًا ورهبًا..هل يستوي من يهدون الناس سواء السبيل ومن يضللونهم ويشغلونهم بالغيبة والنميمة ونهش الأعراض والتجريح واغتيال سمعة الأبرياء والفتن.. من يرسمون لوطن طريقه للمستقبل ويتخيرون له أولوياته الواجبة دون إبطاء ولا ارتجال.
تكريم مناسب
ومن أسف أن أصحاب الأقلام الشريفة والإعلاميين الصادقين ومن يدركون أمانة الكلمة ويقدرون مسئوليتها هم قلة لم تنل رغم ذلك حقها في التكريم في المناسبات المختلفة وما أكثرها.. وهو تكريم مستحق لو تعلمون، يخلد ذكراهم بعد رحيلهم حتى لا يتساقطوا من الذاكرة ويطويهم النسيان فلا تعرفهم الأجيال الحاضرة والقادمة خلافًا لما يلقاه أهل الفن والطرب ونجوم الكرة الذي شبعوا شهرة وأموالًا وتكريمًا وجوائز بمناسبة ودون مناسبة..
نرجو للتكريم أن يشق حجب الصمت ليعرف طريقه إلى المفكرين وحملة الأقلام وأصحاب الرأي المستنير والساسة ذوي الاستقامة الذين يملكون تأثيرًا قويًا في وجدان المجتمع بأفكارهم وآرائهم ومواقفهم، ناهيك عن دورهم المشهود في حرب الأفكار المنحرفة والإرهاب والفساد وقد لا يسلمون من أذى كل هؤلاء وربما تعرضت حياتهم نفسها للخطر.. أفلا يستحقون بعد كل ذلك تكريمًا مناسبًا يمسح عنهم العناء والمشقة؟!