جحيم الآباء يطارد الأبناء
أسند رأسه على خلفية المقعد وغاص في الزمن القديم طارحًا ما باحت به ذاكرته.. صراع الساسة أودى بهدوء بلاده وأيقظ فتنة أكلت كل ما ميز هذا البلد من أمان واستقرار.. الأسرة ثرية ولديها ماتخشى عليه.. تغادر الوطن إلى وطن عربى آخر مثل الكثير من الهاربين ارتباطًا بالحياة والهدوء والأمل.. يعمل الأب في مهنة مرموقة ويلحق أبناءه بمدارس اللغات.. تلمع عيناه وهو يتذكر عندما حصل على الثانوية العامة بمجموع كبير ويختار الأب وجهته لدراسة الطب في أم الدنيا.. في مصر يستقر الشاب واضعًا التحدى نصب عينيه.
تبرق عيناه أكثر وهو يتذكر أيام الجامعة الشقية، الشابة الغضة في غربة لم يخفف منها إلا طبيعة زملائه من المصريين وقدرتهم على خطفك لتصبح أحدًا من أسرهم. تمضي الأيام وينتقل من سنة إلى أخرى محققًا ما كان والده يصبو إليه.. في الغدو والرواح يمضي مع زميلة الدراسة وهو يتجاذب معها أطراف حوار تختلط فيه ذكريات الوطن الأم بمرارة الغياب وأخيرًا أمل التخرج وربما العودة إلى الديار التي عهد فيها الحب والصفاء ومعنى الوطن.
يوما فيوم يرتبط الشاب العربي بزميلة الدراسة.. يرسمان معًا عالمًا من الخيال.. يتعاهدان على الإخلاص.. يتخرجان.. يأتي الأب زائرًا لبيت العروس.. يرتبطان ثم يسافران إلى حيث الوطن البديل للأسرة.
تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن.. مساحة من التفاوت في الأفكار تكسو حياتهما.. يختلفان.. يتدخل الأهل.. يعودان.. وسرعان ما يختلفان حتى بات الاستمرار أمرًا صعبًا.
يتفقان على الانفصال.. يحاول الشاب أن يوفر للخروج كل عناصر الأمان اتساقا مع أفكاره بأنهما أصبحا شريكين في تربية طفلة جميلة منحهما الله فيها صبرًا وجمالًا ورباطًا قد يفرض عليهما أن يظلا صديقين أو شريكين في مؤسسة الأبوة.
عناد الأبوين
تعود الزوجة إلى مصر وتتزايد الخلافات.. يحاول الزوج السابق أن يلملم ما تبقى من ذكريات للحفاظ على تلك الزهرة الجميلة، ثمرة الحب الذي كان دون جدوى. تختار الزوجة طريق المحاكم.. يحاول الأب أن يحافظ على مساحة الود دون جدوى.. يمتد طريق المحاكم دون مقاومة من الزوج.. يدفع كل ما هو مطلوب محاولًا مرات ومرات خلق مسافة من التفاهم مع رفض وتجبر شديدين من الأم.
يأتي من البلد العربى الذي يعمل فيه طبيبًا مرتين شهريا لتنفيذ حكم الرؤية.. يكلفه ذلك تذاكر سفر.. حجز ليلتين في فندق ومن ثم العودة إلي عمله هناك على بعد آلاف الكيلومترات. يجهز الأب هدايا عيد ميلاد قطته الصغيرة حاملًا معه كل بشبشات الوجوه الطيبة.. يأتى على عجل.. ينتقل حاملًا ما لذ وطاب إلي أحد مراكز الشباب لرؤية ابنته.. ينتظر طويلًا دون أن تأتي.
يحاول الأب الاتصال للاطمئنان.. تراوغ الأم بجبروت وقسوة.. يعود الأب حاملًا معه الهدايا تغلفها حسرة القلق على طفلته.. تتكرر المأساة والأب المكلوم يبكي كطفل فقد كل عزيز لديه دون رحمة من الأم.
تمضى الأيام كئيبة بين انتظار أن يرى ابنته ومراوغات الأم القاسية.. هكذا هو الحال بين أمل مكسور على عتبات أم تلعب بورقة الأبوة دون رحمة وأب يعانى.
تنسى الأم أنهما شريكان.. وتبكى الطفلة عندما تتوفر لها فرصة لقاء أبيها وملء عينيها خوف وقلق ورعب.. تردد كلمات بوقع قاس على الأب.. لا الأب حتى الآن يعرف طريقة تسترضي الأم ليعيشا كشريكين ولا الأم تراعي أنه مهما كان فهو الأب الذي سيرعي ابنته طول العمر.
ظاهرة رهيبة تطارد الجيل الجديد من ضحايا عناد الأبوين وفشلهما في تفهم حاجة الأولاد.. قضية تحتاج إلى حل من خارج الصندوق لترسم للمختلفين طريقًا جديدًا يجعل الطفل هو القضية وليس الأبوين.