رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية الوزير الذى قال أنا طرطور!

في يوم من أيام عصر مبارك.. دق جرس الهاتف.. مديرة مكتب وزير السياحة على الطرف الآخر.. معالى الوزير في إنتظارك في الحادية عشرة صباح غد. جاء الإتصال بعد كتابتي مقالا وصفت فيه الوزارة بالفاشلة، لأنها لم تحقق رقما سياحيا يليق بإمكانيات مصر، وتناولت فيه كيف حصلت دول أقل منا بكثير على أرقام قد تزيد عن ضعف ما حصلنا عليه.. وفي اليوم التالى وصلت إلى مكتب الوزير في الوقت المحدد.. دقائق ودخلت إلى مكتبه.. بدا على وزير السياحة أنه في حالة عصبية شديدة وكان يتعاطى السيجار..المكتب شبه معبأ بالدخان.

 

وما إن جلست حتى بادرنى بعصبية شديدة قائلا: تفتكر إني وزير السياحة.. لم أرد.. ردد: من فضلك رد عليا.. تفتكر أنا وزير السياحة.. قلت طبعا أنت وزير السياحة.

قال وقد ارتفعت نبرة صوته: لا يا أستاذ..أنا مش وزير السياحة..أنا طرطور.. بدت على ملامحى علامات الدهشة، وهو يردد بصوت عال: نعم أنا طرطور.. وقبل أن أنطق بكلمات أردت بها تهدئته قال شارحا: هل تعتقد أن لي سلطة على سائق التاكسى الذي ينقل السائح من فندق سميراميس إلى المتحف المصرى عن طريق شبرا؟

 

 

وقبل أن أقاطعه قال: هل تعتقد أن لي سلطة على شاب يسير في الشارع متفحصا جسد سائحة ترتدى شورت وتي شيرت خفيف؟..هل تعتقد أن لى سلطة على بازار يبيع سلعته بعشرة أضعاف ثمنها؟ وأكمل حديثه بنفس الحدة: هل تعتقد أن لي سلطة على صاحب الجمل بمنطقة الأهرامات الذي يفرض تسعيرة لركوب الجمل وأخرى للنزول من عليه؟.. هل تعتقد أن لى سلطة على موظف جمارك يفتش حقيبة سائحة ويستعرض أمامها ما تحويه حقيبتها من ملابس داخلية.. ودون أن يسمح لى بالمشاركة في الحوار قال: هل تعتقد أن لي سلطة على محافظى مصر، وقد تركوا الأرصفة محتلة بكل صنوف الفوضى؟ وهل تظن أن لى سلطة على مجانين الميكروباص، وعلى إشارات المرور التي لا ضابط لها ولا حاكم؟ وهل تعتقد أن لي سلطة يمكنها أن تمنع وحش الكلاكسات المزعجة من مطاردة السائح!!

 

مادة السياحة

 

بعد هذا السيل الجارف من عبرات التفسير المنطقى للدور الذي يمكن أن تلعبه الجهات الأخرى في قضية السياحة هدأ الوزير، ودار بيننا حوار من طرفين، بعد أن كان هو المتحدث دون غيره وأنا المستمع دون حرية الاعتراض أو الاحتجاج!!

وقال الوزير: السائح ليس أجنبيا يأتي لكى يرى الهرم وأبو الهول والمتاحف، السائح يرغب في تجربة حياتية بين الناس والآثار والمناطق السياحية.. كل التفاصيل تشغله ويعتبرها جزءا من تجربته.

 

السياحة بمفهومها العام هي تجربة إنسانية يخطط فيها القادم إلينا أن يعيش نموذجا فريدا ومنظما وقادرا على الإيفاء بمتطلبات متعته دون مضايقات ودون أن يشعر أنه فريسة، والبلد المضيف ليس تاريخا تليدا فقط، إنما إنسان وحياة وتجربة حياتية يجب أن تغلفها فكرة حسن الضيافة والقدرة على تلبية حاجة القادم إليك دون مشقة أو إحساس بالخطر، والأمن ليس شرطة تحرس المواقع وإنما يتعدى ذلك إلى مواطن يستوعب دوره ويؤديه ليقدم ثقافة وطنه إلى الآخرين والإحساس بالدفء بين الناس أقوى أثرا من كل حراسات الشرطة.

 

السياحة كما شرحها الوزير الواعى -عليه رحمة الله - ليست جدرانا ومعابد ومتاحف ومناظر طبيعية، إنها الإنسان قبل كل شيء وهي الحاضر قبل التاريخ، وطالبنى الوزير في حينها أن تكون مادة السياحة منهجا نعلمه لطلابنا في المدارس والجامعات، باعتبارها نشاطا ثقافيا وسفيرا للحضارة الآنية في الوطن وأكبر دعاية للحاضر الذي نحياه، وقال الرجل إنه يعانى مع المحليات بسبب الفوضى السائدة في الشوارع والأرصفة، فالرصيف في بلاد الغرب دليل تحضر وتقدم، وقال إنه يعانى مع وزارة الداخلية في قضية ضبط الشارع المروري..

 

ورغم مرور السنوات إلا أن شيئا مما كان يراه الرجل لا يزال محلك سر، فالشوارع والمشاة فيها كأنهم قرود تتقافز من أجل العبور، ومن أجل السير على أرصفة تتزين بالحفر والمرتفعات والمنخفضات. ولا يزال سائق التاكسي لا يعلم أن عليه دورا حضاريا في احترام القواعد والأمانة مع السائح، ولا يزال التلصص آفة تزعج السائحات في الشوارع والمناطق السياحية، ولا يزال البعض يرى السائح فريسة يجب الفوز بدولاراتها حتى ولو بالنصب، ولا يزال الكثير من الوزراء يظنون أن وزير السايحة وحده هو المسئول عن السياحة!

الجريدة الرسمية