المنافقون.. ودور مؤسساتنا وتكذيب الشائعات!
الشائعات لون من النفاق؛ والمنافقون في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم العدو الخفي الذي تأمنه على نفسك ثم يأتيك من مأمنك، ويطعنك في ظهرك من قريب، وليس أدل على شدة خطرهم من تسمية القرآن لإحدى سوره بإسمهم وهو تحذير صريح بضرورة الحذر منهم "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ".
ما أحوجنا لتضافر جهود كل المؤسسات؛ تعليمية وثقافية ودينية لتهذيب النفوس وغرس القيم والأخلاق الرفيعة وتوعية المجتمع وتهيئته لرفض كل شائعة والتثبت من كل معلومة وخبر قبل تداوله، جنبًا إلى جنب تكذيب الشائعات إعلاميا والرد عليها من الأجهزة المعنية؛ فالشائعة سلاح مدمر وداء عضال يهدم أسرًا ويخرب بيوتًا ويقطع علاقات وصداقات ويتهم بسببه أبرياء وتقع به جرائم.. الشائعة يصنعها عدو حاقد ويتلقفها منافق فاسق وينشرها جاهل أو مغرض..الشائعة كذبة يطلقها خبيث ماكر ويصدقها أخرق غافل، وينقلها أحمق ناقم ليدمر حياة إنسان ويهدد مصائر أوطان.
للشائعات كما أثبتت الدراسات أخطار عظيمة على الأفراد والجماعات والأسر والمجتمعات فكم من كريم صار بكلمة واحدة عرضة للملام.. وكم من كلمة كاذبة أشعلت نار الفتنة بين أصدقاء، وكم من كذبة فرقت بين أحبة وقطعت أوصال الود بين الصحاب.
الشائعات وخطورتها
الشائعات تشويه للحقائق وبث للخوف في قلوب الضعفاء والقلق في عقول الأقوياء مع ما فيها من تفريق لكلمة المسلمين وشق لصفوفهم وإثارة النزاعات فيما بينهم.. الشائعات قد تسبب اضطرابًا اقتصاديا وخسائر ضخمة لشركات ومؤسسات ودول ومجتمعات..وكم من شائعة رفعت أسعار سلعة وألهبت ظهور الفقراء وتسببت في غنى فاحش للتجار الجشعين وعرضت المجتمع لهزات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
وتتضاعف خطورة الشائعات في زمن الانفتاح الإعلامي وثورة التواصل الاجتماعي وسرعة إنتشار الأقوال وخداع الصور والفُجْر في الخصومات بلا رادع ولا ضمير.. ومن ثم فإن مروجي الشائعات على خطر عظيم آن لهم أن يدركوا نتيجته عليهم وعلى غيرهم.. ومن ثم أمرنا القرآن بالتثبت من أي نبأ جاء به فاسق، وقال مالك “أعلم أن فسادًا عظيمًا أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع دون تثبت لأنه يسمع الصدق كما يسمع الكذب”.. وفي الحديث الشريف " بئس مطية الرجل زعموا" أراد به صلى الله عليه وسلم النهي عن التكلم بكلام يسمعه من غيره ولا يعلم صحته.
ولنا في التاريخ دروس وعبر ما أصدق دلالتها.. ولعل أشنع الشائعات التي جرى إطلاقها في زمن النبوة ما يتعلق بحادثة الإفك، التي افتعلها المنافقون ابن سلول وأتباعه، ورددها البعض دون تثبت رغم أنها تمس أشرف الخلق حتى سرت في المجتمع كله فاهتز لها مجتمع المدينة وتأذى منها رسول الله بل لا نبالغ إن قلنا إنها كانت الأشق على نفس النبي الكريم ولم يُمكر بالمسلمين مكرٌ أشد من تلك الشائعة الكاذبة ولولا عناية الله لأكلت الأخضر واليابس بعد أن ظل المجتمع المسلم يصطلي بنارها شهرًا كاملًا حتى نزل الوحي ليضع حدًا لتلك المحنة الكبرى ويكشف الغمة ويأتي بالبراءة من فوق سبع سماوات لتكون درسًا تربويًا هائلا لذلك المجتمع وكل مجتمع يأتي من بعده إلى يوم القيامة..
ليتنا نتعظ ونستخلص العبرة حتى نرجع للحق ونبرأ من الباطل.. ونكف عن ترديد الشائعات وتصديقها حتى لا نكون معاول هدم لمجتمعنا.. علينا أن نحتكم للعقل والشرع.. فليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال حضر أهله وليس كل من حضر أهله جاء وقته.