حفلات زفاف الموتي
حفلات زفاف الموتي من بعض المشاهير رداءة وعدم مهنية من جرائد ومواقع تنشر التفاهة والتخلف بدون لياقة، من حق الإعلام التوثيق والتصوير لتبقي في الذاكرة، فالإعلام صور جنازات عبد الحليم حافظ وبليغ والموجي وأم كلثوم وجمال عبدالناصر والسادات، لكن في الماضي كان النعش يظهر بنسبة 10% من أصل الصورة الملتقطة، لكن في هذه الأيام يتمنى المصور لو استطاع الدخول بالكاميرا في النعش والقبر دون أي احترام لقدسية وهيبة الموت ومشاعر أهالي المتوفى وأسرته، وفي المقابل فإن إصرار بعض العائلات على استعراض نفوذها في العزاء موقف استعراضي يرمي إلي توظيف لحظة الموت .
وما كنا نستغربه من حفلات زفاف الموتي في أفريقيا صرنا نمارسه بتنطع، فهو عادة أفريقية غريبة تسمى (رقصة التابوت) حيث يظهر فيها عدة أشخاص يحملون نعشا على أكتافهم بينما يرقصون على أنغام أغنية بعينها. والعجيب أن هناك فرقا وأشخاصا مخصصين يعملون في مهنة الرقص مع التابوت، حيث تستعين بهم أسرة المتوفى لأجل حفلة الزفاف لفقيدهم إلى القبر.
فقد تحولت الجنازات والعزاءات إلى مناسبات اجتماعية تتعاظم فى حالة وفيات أصحاب السلطة والنفوذ، وتكشف أحيانا عن الزهو والتفاخر وبعض النفاق وكان طبيعيا للإعلام العشوائي أن يحول جنازات المشاهير لسيرك تدهس فيه كل القيم والأعراف والعادات، فما هي الفائدة العائدة على المشاهدين من مشاهدة عمارة سكنية كانت تقيم فيها فنانة توفاها الله؟! وما هي الفائدة من تصوير مبنى مشرحة، أو عربة نقل موتى، أو نعش يحمله مشيعون؟! ماذا سيستفيد المشاهد من لقطات انفعال بعض الفنانين على المصورين؟! ماذا سيضيف لهم مشاهدة انهيار الفنانة فلانة، وبكاء الفنانة علانة، أو ركض الفنانة ترتانة هربًا من عدسات الكاميرات؟
للإنسان حرمةٌ ميتًا وحيًا، والاعتداء على الميت لا يختلف عن الاعتداء على الحي، ودليل ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (كسرُ عظمِ الميِّتِ ككسرِ عظمِ الحيِّ)، وتصوير الميت يتضمن عددًا من المحاذير الشرعية، فتصوير الميت قد يفضي إلى ذكره بسوءٍ، كما أنّ فيه تجسسًا على حال المقبورين إن كان التصوير داخل القبر، إضافةً إلى الأذى الذي يلحق بالأحياء..
التجارة فى سرادقات العزاء
وإذا كان صحيحا أن تقديم العزاء لأهل المتوفى واجب إنساني وأخلاقي. يشعر أهل المتوفى براحة لقدوم الناس ليقفوا بجوارهم في مثل هذه المواقف الصعبة.. ويعوضهم حب الناس عن فقدان هذا الشخص العزيز عليهم، فإن ما يحدث أشبه بالتجارة في سرادقات العزاء من اختيار مشاهير القراء، للتصوير، لولائم الرحمة، لآلاف الجنيهات للإعلان، وبعد أن أصبح العزاء مناسبة اجتماعية يتجمع الأهل والأصدقاء وزملاء الطفولة والدراسة، وتبدأ أحاديث وذكريات العمر؛ وكأنهم في النادي، وبعض السيدات ينتهزن الفرصة لعرض آخر ما اشترينه من أحذية وشنط، أو آخر ما وصلت إليه من جمال بعد آخر عملية نفخ وشفط وفيلر وبوتوكس، وكأنهن في حفلة، ولولا اللبس الأسود لبدا مشهدهن وكأنهن في فرح، أما لو كان العزاء لشخص مشهور أو قريب لمسئول يتجمع المارة لرؤية المشاهير والتصوير معهم.
أما المعزون.. فلا مانع من التلكؤ عند الدخول لكي يتمكن المصورون من تصويرهم من جميع الزوايا.. أو إظهار الحزن المبالغ فيه لكي تكتب المواقع عن دموعهم.. أو نظارة سوداء كبيرة لتخفي الدموع مع أن مكياجها فول ميك آب، ولن تذرف دمعة خوفًا من مسح "الماسكرا".وأصبح أمرًا عاديًا الثرثرة أثناء قراءة القرآن، أو ترك التليفون يرن بنغمة أغنية عمرو دياب الأخيرة، وبعدها يتم الرد والنقاش مع المتصل، وقبل ما يختم المقرئ وتشعر الناس أنه اقترب من صدق الله العظيم يتهيئون للخروج يقومون ويتجهون للخروج في سباق للتسجيل مع القنوات والرد على السؤال السمج عن علاقته بالمتوفى.
الخلاصة، الموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذه الحياة وفرصتنا لنتعظ ونعتبر، لذلك يجب ألا نلهي أنفسنا بتفاصيل لا جدوى لها لتصرفنا عن التدبر في هذه التذكرة الربانية.