رئيس التحرير
عصام كامل

تعشموا ولكن بحدود

في أغلب الأحوال إذا فكرت أن تتعامل مع الغرباء عنك بنوع من الود الزائد والترحاب الشديد كطابع أولاد البلد، فربما يتحول هذا تلقائيا إلى نقمة عليك، وقد يصل الأمر حد أن تكون مكروها ممن مددت إليه يدك بالمعاونة بنوع من النبل الأخلاقي، كونك فكرت يوما أن تضع حدا لما يطلقون عليه "العشم الزائد".

حكى لي صديقي عن جاره، الذي احتاج إلى اقتراض بعض من المياه للشرب، كون منظومتها لديه، بها نوع من الخلل يحتاج إلى الإصلاح الذي قد يستغرق أياما.


صغار لكن كبار

 
بدأ الأمر بزجاجتي مياه صغيرتين، ثم تطور في اليوم التالي إلى قارورتين من ذوات الليترات الكبيرة، ثم تطور في نفس اليوم إلى برميل من المياه كبير الحجم، ثم برميلين، وحينما سأل صاحب المياه عن كل هذا الكميات مستغربا، رد عليه الجار قائلا بكل سماجة: "معلش بالمرة المدام غسلت الهدوم ومسحت الشقة حقك علينا".

أعلم أن من يضطر إلى الاقتراض في أي شيء، عليه أن يسير وفق منهج هذا الاضطرار، فيستخدم ما اقترض بحكمة وتروى حتى لا يرهق الآخرين بطلبات متكررة.

يكمل الصديق: المشكلة يا صديقي ليست في كميات المياه غير المنطقية التي اقترضها الجار رغم تحملي تكاليف فاتورة شهرية باهظة في الأساس، ولكن المشكلة في الاستهتار بما منحت من باب الشهامة، حتى وصل الأمر أنه غضب حينما طرق بابي فى منتصف الليل، ولم أفتح كوني نائما وعاتبني على تركي إياه بلا ماء، رغم أن العلاقات بيننا سطحية للغاية.

يقول المثل الشعبي: "سكتنا له دخل بحماره"، وهذا هو منطق بعض من لا يستحون في الطلب بجرأة، ولا يتحلون بعزة نفس أو يتجنبون التسبب في أي أضرار للآخرين.


أهل الفضفضة

 
روى لي صديق آخر عن ابن عمه الذي يعانى دائما من عثرات مالية متكررة، ويلجأ إليه في أغلب الأحوال لفك كربته، وحينما حالت ظروف الصديق دون الإقراض المتكرر، غضب منه ابن عمه، بل وقاطعه تماما!

هل بات التعامل الفظ هو المنطق المفترض أن يسود بين الناس؟ هل باتت الشهامة بمرور الوقت نوعا من الفرض والواجب يأثم صاحبه مجتمعيا إذا ساورته نفسه وفكر لحظات أن يتوقف عن أداؤها، بعد أن أصبحت عبئا يرهق كاهله؟

اطلبوا الحوائج بعزة نفس، لا ترهقوا من تحمر وجوههم خجلا، لا تجعلوا من يأبون أن يردوا الآخرين، يميلون يوما إلى دفة البخل في العطاء، تعشموا في كرم غيركم نعم ، ولكن بحدود.


الجريدة الرسمية