بهلوانات السلطان.. «أنا ضد مصر»
في الماضي كان النفي عقوبة من يعارض نظام الحكم في بلد ما سواء كان الحاكم أحد
مواطني هذه الدولة أو غازيا ومحتلا، والتاريخ المصري يحفل بالعديد من الرموز الوطنية
التي تم نفيها إلى بلاد لم يكن المصريون يعرفون عنها شيئا سوى اسمها، مثل أحمد عرابي
ومصطفى كامل وسعد زغلول وغيرهم.
وفي سنوات لاحقة شملت قائمة المنفيين الكثير من الأسماء، التي لم تكن لسياسيين
فحسب، بل كان من بينهم أدباء وفنانون من أصحاب الرأي والصوت الذي لم يكن ليطرب له الحاكم.
اقرأ أيضا:
وعلى مدار التاريخ، لم يطالب صوت معارض لنظام حكم مهما بلغت وحشيته بتدخل أجنبي،
ولم يحقر أحدهم من شأن مؤسسة وطنية بدعوى معاونة هذه المؤسسة للحاكم، فدائما كان صوت
المعارضة محفزا لشعبه من أجل انتفاضة أو اتخاذ موقف سياسي تجاه الحاكم، وذلك عبر الانتخابات
أو بأي وسيلة أخرى لا تخرج عن السلمية ولا تدعو لتخريب الوطن.
ومؤخرا، ظهرت طائفة جديدة من المنفيين طوعا، هؤلاء الذين فضلوا احتراف «النفي»،
ليكون مصدر رزق أو استرزاق، بدعوى أنهم منبوذون في بلدهم، رغم أن معظمهم لم يكن أحدا
يسمع باسمه حين كان يعيش في مصر.
شخصيا لا ألوم على من اختار المنفى ليكون وطنا بديلا، إذا كان يرى في ذلك أمانا
لنفسه وضمانا لتوصيل رسالته إلى الشعب أو حتى للعالم كي يفضح فسادا، لا يمكن له أن
يفضحه وهو في وطنه خشية التنكيل به أو تعرضه للأذى الذي قد ينتهي بسجنه أو موته.
لكنني لا أجد في نفسي تعاطفا مع هؤلاء الذين باعوا نفسهم للشيطان مقابل حفنة
دولارات أو شهرة تطفئ ظمأ تلك الشهوة المستعرة داخلهم.
اقرأ أيضا:
هؤلاء الذين يسبحون – ليل نهار – بحمد مولاهم الذي يدفع لهم، حتى وإن كان ذلك
على حساب وطنهم، الذي ولدوا فيه وتربوا – لو كانوا تربوا يعني – وتعلموا.. فترى الواحد
فيهم يتغنى بمحاسن وكرامات «السيد» حامي حمى الإسلام، الذي يضاجع الصهاينة ليلا، وفي
النهار يصرخ «واه إسلاماه»..
وربما لو توقف الأمر عند حد التطبيل لمن يدفع، لكان هينا، فالفجر والخسة والخيانة
قد تمكنت من بهلوانات السلطان للحد الذي يدفعهم للتحريض على الجيش المصري، والتضرع إلى
الله أن ينهزم في معارك متوقعة.. معارك وحروب يعلم الله أن عاقلا لا يريدها، لكنها
أمور محتومة من أجل الدفاع عن الوطن والشعب.
بهلوانات السلطان يصلون لله أن تموت مصر عطشا، فقط كي يشمتوا في من يختلفون
معه سياسيا، فلا ضرر لديهم في أن يموت الملايين، ومن بينهم أهاليهم وأقاربهم وأصدقاؤهم،
فقط ليرضى عنهم السلطان الذي يدفع!
بهلوانات السلطان لا يجدون غضاضة في تصوير الإرهابيين على أنهم جنود الله المرسلة،
الذين حين يذبحون مجندا في سيناء فإنما يفعلون ذلك تقربا لله ونصرة لدينه، لا إرهابا
وإجراما واسترزاقا من دم الطاهرين.
اقرأ أيضا:
بهلوانات السلطان ينبشون التاريخ ليزيفوه بما يخدم مولاهم، الذي يدفع، وبما
يشوه وجه وطنهم – السابق – طالما كان ذلك يرضي السلطان المعجون بشهوة حلم زائف باستعادة
إمبراطورية مزعومة.
قبل أيام كنت أستمع لأغنية «أنا ابن مصر»، ولا أعرف تحديدا لماذا خلتني أسمعها
بأصوات بهلوانات السلطان وهم يتغنون «أنا ضد مصر أنا ابن الكسر».. وذلك ربما لأن عادتهم
الانبطاح لمن يدفع حتى ولو كان على حساب وطنهم وشرفه – إذا كان لديهم شرف!
إلى بهلوانات السلطان إذا لم يكن من التطبيل بد فليكن لوطنك لا لأعدائه.
