أشياء تسقط بالتزامن
في الساعة السابعة وسبع وأربعين دقيقة وثلاثين ثانية، من مساء الخامس والعشرين من يونيو 1977، سقطت ورقة من شجرة بشارع شارل ديجول بالجيزة على الرصيف، فطيرت ذرة تراب حملتها الرياح إلى زجاج نافذة سيارة فيات موديل 1952 كانت تقودها (س. م) سيدة ثلاثينية في طريقها إلى عيادة الدكتور (ش. ص) بشارع الهرم..
وهو طبيب نساء وتوليد بدأ في علاجها قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات أملا في أن تنجب طفلا من زوجها المحاسب (ي. ر) الذي يبحث عن عقد عمل في الخليج لتدبير تكاليف العلاج.
في اللحظة ذاتها، سقط في النهر مفتاح كان في جيب جلابية (ج. أ) وهو رجل سبعيني يشق بقاربه في هذا التوقيت يوميا نيل أسوان، فتطايرت قطرات من الماء لتبلل ملابسه، وحين عاد وتحسس المفتاح فلم يجده، اضطر لكسر باب الدار العتيق، وجلس يطالع صور أفراد عائلته، الذين لم يتبق منهم على قيد الحياة سوى حفيده (ط) الذي فضل الاستقرار في القاهرة، بعدما نال الشهادة الكبيرة.
اقرأ أيضا: أخطر من «ابن تيمية»
وبالتزامن، سقطت ورقة بيضاء مدون عليها ثلاثة أرقام، كانت تستقر على مكتب الأستاذ (و. س) المحامي، الكائن في 278 شارع جمال عبد الناصر، سيدي بشر، الإسكندرية.. حين سقطت الورقة حركت الهواء، والذي بدوره دفع ريشة صغيرة كانت تستقر على الأرض، فطارت لتخرج من نافذة المكتب، لتسقط على رأس (ع. د) بائع الروبابيكيا..
والذي حين عاد لمنزله فحمل على كتفيه طفله الذي أكمل عامه الخامس ولم ينطق كلمة بعد، فأخذ الصغير يلهو بشعر رأس والده، ليجد الريشة ثم يضعها في كف يده وينفخ فيها فتستقر على مزهرية قديمة حصل عليها بائع الروبابيكيا هدية من سيدة يونانية سافرت قبل عقدين إلى أثينا.
اقرأ أيضا: حكايات تبحث عن راوي
أيضا كانت تلك اللحظة شاهدة – بالصدفة – على سقوط كتاب من مكتبة (ط. خ) مدرس اللغة العربية بمدرسة الفضل، في شارع أم كلثوم بطنطا.. ذلك الكتاب الذي اصطدم بملعقة ملقاة على الأرض لتفزع القطة، التي خرجت مسرعة وهي تموء لتستقر في حضن الصغيرة (د)، التي كانت تجلس أمام والدتها لتسرح لها شعرها، بعد أن حممتها تمهيدا للسفر في الصباح..
إذ إنهما ستذهبان لزيارة الخالة (و. ع) التي ستتزوج بعد أسبوع من ذلك التاريخ، من (ج. م) العامل السابق بمصنع الغزل الكائن في 7 شارع المنفلوطي بالمحلة الكبرى، والذي تم تسريحه قبل ذلك التاريخ بستة أيام دون سبب واضح، لكن أهل العروس أصروا على إتمام الزفاف في موعده.
اقرأ أيضا: عمرو أديب.. سائق ميكروباص
كذلك في شقة صغيرة تقع في شارع الكورنيش بدمياط، سقطت دمعة من عين (ك. أ) على صورة زوجها (ط. ر) الذي تزوج عليها قبل ذلك التاريخ بسبعة أشهر، وهي حينذاك لم تكن تندب حظها، بل عز على نفسها أن تكون الزوجة الثانية صديقتها (ع. د).. صديقة الطفولة وزميلة الدراسة ورفيقة الصبا.. لقد كانا معا لسنوات وسنوات، تبادلا فيها أصابع الروج وحكايات البنات وفساتين المناسبات المزينة بخرج النجف..
وبالتزامن أيضا، سقطت 100 جنيه (عشر ورقات من فئة العشر جنيهات) في شارع الوحدة العربية بالمرج، كانت داخل محفظة (س. ع) العامل بشركة الحديد والصلب بالتبين، حين كان عائدا إلى بيته، ممنيا نفسه بالذهاب في اليوم التالي صحبة زوجته (ف) إلى بنها لشراء بعض المشغولات الذهبية، كوديعة تتزين بها امرأته وتحميهما من تقلبات الزمن.