ميلشيات الدواء الإليكترونية
يتزامن تماماً مع جائحة كورونا انتشار شديد – من خلال الوسائط الإليكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة الفيس بوك – لوصفات دوائية مختلفة، كل وصفة منها يدعي من ينشرها أنها تقضي تماما على كورونا أو على الأقل تؤمن الناس من شره لمدة طويلة..
وكل وصفة من هذه الوصفات تنتهي بضرورة نشرها في الخير حتى يفوز الإنسان بثواب عمل الخير "وتشييره"؛ مما يدخله الجنة، والغريب أن هذه الوصفات بدأت ببعض الأعشاب البسيطة لكنها سرعان ما تطورت إلى أدوية محددة يدعي من ذكر الوصفة أنها مجربة، وأنها تقوم بعمل السحر في العلاج والحماية ..إلخ .
وعندما تتساءل عن الواصف لهذه الوصفات هل هو متخصص، خاصة أنك تجد من يقوم بالنشر لا علاقة له بالطب، فسرعان ما يأتيك الرد من قبل أحدهم بأن صاحب الوصفة هو الطبيب العالم "فلان" المتخصص في كذا وكذا، أو منقولة عن العالم "علان" الشهير الذي لا يخرج من معمله من أجل هذه الوصفات..
اقرأ ايضا: مسرح "كورونا".. أغرب من الخيال
والذي يحدث طبعاً وقتها تجد أن الناس يهرعون سريعاً في ظل الخوف الشديد الذي تقوده وسائل إعلام عالمية للتبصيروتبشيع الفيروس، وجعله خطرا قاتلا لا محالة، فيسارع الناس إلى الصيدليات لشراء ذلك الدواء المعالج أو الواقي وغالبا ما كان نوعا من الفيتامينات أو الزنك أو المضاد الحيوي ..إلخ، وكان في الغالب متوافر بكثرة وبأسعار زهيدة..
ويفاجأ الناس أن هذا الدواء البسيط غير متوافر في الصيدليات، وأن سعره ارتفع إلى أضعاف سعره العادي!. فتبدأ رحلة البحث المضني عن ذلك الدواء الذي هو في الأصل وصفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبدأ الصيدليات في ممارسة دورها في المكسب الذي جاء على طبق من ذهب.
فالصيدلي – من غير أصحاب الضمير– هو أيضا متابع لوسائل التواصل، وقد يكون على معرفة وثيقة بمصدر الوصفة؛ لذا يعلم بما سيحدث من الإقبال على ذلك الدواء فيخفيه ويدعي نفاد الكمية؛ بما يوحي للناس بأهمية ذلك الدواء وقدرته على العلاج، فتزداد حالات حمى الشراء، وهنا يظهر الصيدلي تعاطفه مع البعض، وأنه سيوفر لهم الدواء بأية صورة، لكن طبعا بأسعار باهظة فيشكر له الناس ذلك، ويدفعون الأثمان الغالية في دواء لم يكن له سوق .
اقرأ ايضا: التضحية بأصحاب المعاشات على مذبح كورونا
من وراء كل ذلك إذا؟ الحكاية ببساطة إنها مافيا الدواء في مصر وميلشياته الإلكترونية التي تتكون من بعض أعضاء شركات الدواء، ومن بعض الصيادلة، وبعض المُستأجَرين لذلك، يحددون الدواء المطلوب تسويقه والذي غالبا يكون سعره بسيطا ومتوافر؛ ليكون المكسب كبيرا، ثم تبدأ تلك الميلشيات والكتائب الإليكترونية عملها الممنهج في سبيل نشر ما تريد وترويج ما تحب أو تشاء..
وتستخدم في ذلك الدين –نفس وسيلة كل إرهابي يريد أن يصل لغرض محدد – فتدعي أن من يقوم بالنشر و"التشيير" فله ثوابه وجزاؤه الجنة، فتساعد الناس هذه الكتائب على الوصول لهدفها بأسرع وقت وطريقة، فتدور عجلة الربح الحرام والمكسب السحت حتى إذا ما انتهت الكتائب من نوع معين تقوم باستبداله بنوع آخر..
وهكذا لتسويق الأدوية رخيصة الثمن وبيعها بأعلى الأسعار على حساب طبقة من البسطاء فكريا والمغيبين دينيا . لعبة كبرى تؤسس لها شركات الأدوية الكبرى، وتعمل فى معيتها شبكات محلية تتناثر فى جميع دول العالم. أدوية رخيصة تختفي لتظهر بأسعار باهظة ثم تحل محلها أدوية بديلة باهظة الثمن، تحقق أرباحاً خيالية للمستثمرين في هذا المجال والضحية هو المواطن.
اقرأ ايضا: حمى الشراء وسلوكيات مرفوضة
وتظهر المأساة الحقيقية في صورة المرضى الأصليين الذين كانوا يستخدمون ذلك الدواء قبل إدخاله في لعبة كورونا، فهؤلاء يفاجأون باختفاء علاجهم وبظهوره بأغلى الأسعار وهم في حاجة إليه للعلاج الفعلي الذي كتب لهم من خلال الأطباء لأمراضهم المختلفة، وليس مجرد وصفة على النت تقي من فيروس كورونا، فهؤلاء يعانون أشد المعانة في سبيل الحصول على ذلك الدواء..
وللأسف لا يجدون يد المساعدة من مسئول يوقف تلك المهزلة، ويجبر الصيادلة على الالتزام بتوفير الدواء وعدم تخزينه، وذلك بالمرور الدائم عليهم ومتابعة ما يدخل لهم من أدوية وما يباع منها ..إلخ من الطرق المختلفة، خاصة لو علمنا أن هناك عددا من الجماعة الإرهابية ينتمي لمهنة الصيادلة، وهم لا يستهان بهم وجاءتهم الفرصة للانتقام من المصريين والإثراء السريع في الوقت ذاته على حسابهم .
اقرأ ايضا: التفكير خارج «صندوق» النقد الدولي
ثم يأتي دور تلك الكتائب في الترويج لأطباء حديثي التخرج أو حتى قدماء في المهنة لكن الطلب عليهم ليس على ما يرام، فتجد تلك الميلشيات والكتائب تعرض عليك قائمة بأسماء أطباء وأرقام هواتفهم وأنهم يعملون متطوعين لوجه الله، ويعالجون المرضى بالمجان حتى يذهب الناس إليهم ويتعرفون عليهم؛ ليكونوا بعد ذلك "زبائن" مستدمين لهم..
وطبعا عرض هؤلاء على الناس من خلال وسائل التواصل ليس بالمجان ولكن مدفوع الأجر من هؤلاء الأطباء لتلك الكتائب والميلشيات.