التضحية بأصحاب المعاشات على مذبح كورونا
أعلم علم اليقين أن كل من يقرأ هذا المقال قد شاهد أحداثه وما يجيء فيه بنفسه، ففي بداية كل شهر وموعد صرف المعاشات ستجد - وأنت تعبر من أمام أي مكتب بريد أو بنك ناصر - عددا كبيرا من أرباب المعاشات يسند بعضهم بعضا في وقفتهم المؤلمة أمام المكاتب..
صورة لا إنسانية هزلية تدعو للتعجب من مسئولين لا يقدرون دور هؤلاء من كبار السن في بناء الدولة، وما قدموه من صحتهم وعمرهم في تثبيت أركانها، فيكون رد الجميل لهم بتلك الإهانة المفزعة المؤلمة على النفس بأن نجعلهم يقفون في طوابير طويلة جدا، ويتزاحمون بشدة أمام منافذ صرف المعاشات، وكلهم مرضى ولا يستطيعون الوقوف لفترات طويلة، لكن ماذا يعملون مع مسئولين تخلوا عن إنسانيتهم وتركوا كل طريقة للتيسير على هؤلاء وصاروا يتلذذون بتعذيبهم ورؤيتهم يتألمون؟
وعلى الرغم من أن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي اعتمدت آلية لتقسيم أصحاب المعاشات على أيام متفرقة طوال الأسبوع الأول من شهر صرف المعاش، حرصًا – كما يذكرون - على سلامة أصحاب المعاشات، وتقليل أعداد المترددين على منافذ الصرف كإجراء احترازي لمواجهة فيروس كورونا..
اقرأ أيضا: برميل البترول "ببلاش" وعليه 38 دولار هدية!
حيث يصرف الذين يتقاضون 1000 جنيه فأقل معاشاتهم من منافذ الهيئة القومية للتأمينات ومكاتب البريد وماكينات الصرف خلال في أيام محددة، أما أصحاب المعاشات أكثر من 1000 جنيه حتى 2000 جنيه فسيقومون بصرف معاشاتهم أيام أخرى، وأصحاب المعاشات البالغ قيمة معاشاتهم أكثر من 2000 جنيه فسيقومون بصرف معاشاتهم بعد ذلك في أيام مختلفة، أما من يتخلف عن الصرف خلال المدة المحددة له فيمكنه الصرف خلال الفترات اللاحقة.
لكن تلك الآلية زادت من معاناة أصحاب المعاشات بصورة أشد مما كانوا يعانونه من قبلها، وذلك لأن الشريحة الأولى مثلا عندما تذهب لصرف معاشها تفاجأ بعد الصرف لبعضهم بقول الموظفين لهم " الفلوس خلصت تعالوا بكره "، فتتراكم الشرائح على بعضها مما يؤدي إلى الزحام الشديد، كما أن بعض المكاتب – وعندنا أمثلة لهذه المكاتب لمن أراد أن يعرف- تتعلل بأنه لا توجد أموال من الأساس، وتطالب أصحاب المعاشات إما بالذهاب لمكاتب أخرى أو العودة في وقت لاحق.
وكذلك الأمر في الزحام الشديد مع فروع بنك ناصر الاجتماعي الذي يشهد وقوف كبار السن في طوابير طويلة امتدت لعشرات الأمتار أمام بوابة البنك، في الوقت الذي توافرت عدد من المقاعد غير الكافية لجلوس المرضى.
اقرأ أيضا: حمى الشراء وسلوكيات مرفوضة
وهنا نسمع الكثير من شكوى أصحاب المعاشات، فبعضهم يتساءل عن سبب نفاد الأموال قبل أن يتم الصرف للجميع قائلا: "هل البنك مفيهوش فلوس؟" والبعض الآخر يتعجب من عدم تدخل المسئولين رغم رؤيتهم ذلك الزحام الشديد، ويعلل ذلك أنه يبدو أن المسئولين يريدون التخلص من فئة كبار السن وأرباب المعاشات حتى ترتاح الدولة من صرف أموال لهم، كما ترتاح من صرف الدواء لهم من خلال التأمين الصحي؛ لذلك يتركون أصحاب المعاشات فريسة للزحام، وعرضة كبيرة لانتشار فيروس كورونا بينهم الذي أكد العلماء ان يضر فئة كبار السن في الأساس ويودي بهم أكثر من أي فئة م عمرية أخرى.
ويؤكد بعضهم أنه ذهب ليحجز دوره أمام مكتب البريد وذلك بعد صلاة الفجر مباشرة ففوجئ بوجود من سبقه الذين يظلون في وضعهم المزري ووقفتهم العاجزة أو افتراشهم الأرض في انتظار أن يحن عليهم المسئولون بصرف المعاش، ولكن أحيانا كثيرة يحدث ألا يحترم البعض الطابور نظرا لمحاولة صرف المعاش قبل أن تنفد الأموال فيصير الصراع والوصول للأقوى في مأساة تتجدد مع الأيام الأولى من كل شهر..
تزداد وطأتها مع الأعطال المتكررة لماكينات الصرف، فضلاً عن إجازات البنوك يومى الجمعة والسبت من كل أسبوع، وكذلك العطلات الرسمية التى تساهم فى مزيد من تأخير الصرف فى شهور عديدة.
اقرأ أيضا: كورونا والاقتصاد العالمي وصناعة الدواء في مصر
وهذا الأمر المأسوي يجعل صاحب المعاش الذي يصرفه يكاد يطير من الفرحة، بل سمعت أحدهم يقول وهو سعيد مسرور بجنيهاته القليلة التي فاز بها "للرجل فرحتان.. فرحة خروجه على المعاش وفرحة قبض المعاش نفسه!!".
ويقدم أصحاب المعاشات الحلول المتنوعة لتلك الأزمة داعين الله ان يقيض لهم من يستمع وينفذ هذه الحلول، ومنها أنه بداية يعرف كل مكتب بريد على أصحاب المعاشات المترددين عليه وبالتالي يعرف حجم الأموال التي ينبغي صرفها، لذلك عليه ان يستعد بهذه الأموال قبل صرف المعاش ليطمئن أصحاب المعاشات ان سيصرفون معاشهم ولن يقال لهم "الأموال خلصت".
ثانيا المكاتب التي يعرف أن بها أعدادا كبيرة لأصحاب المعاشات ينبغي الاستعانة معها بسيارات مجهزة لصرف المعاشات للإكثار من منافذ الصرف، كما ينبغي الاستعانة برجل أمن ينظم الوقوف ويحمي من التدافع والتزاحم الشديد . كما ينبغي تفعيل آلية إيصال المعاش لأربابه في المنازل مقابل أجر بسيط يخصم من المعاش وهذا الأمر سيساهم في عمل الشباب والإقلال من البطالة.