عمرو أديب.. سائق ميكروباص
سائق الميكروباص واحد من أهم من الشخصيات «المحورية» في حياتنا، فدوره يتعدى بكثير فكرة قيادة سيارة نقل جماعي، تنحصر مهمته في توصيلهم من مكان لمكان..
كانت الفكرة السائدة حتى سنوات قريبة أن سائق الميكروباص يرى الزبون مجرد «جنيه» واقف على الأرض، ومهمته أن يسبق غيره من أجل التقاط هذه العملة، ليجمع أكبر قدر منها في نهاية «الوردية»، وكأنه يمارس لعبة من ألعاب البلاي ستيشن.
اقرأ ايضا: كيف تصنع فيلما بدون قصة
لكن التجارب السابقة لمحسوبكم، وأنا أعتبر نفسي صاحب تجربة وانطلاقا من أن محسوبكم بلا فخر وتمجيد واحد من خبراء علم الميكروباصولجي، فعلى مدار سنوات عمري وأنا زبون دائم، بل مستكشف يغوص في عوالم الميكروباصات وسائقيها.. استخلص من تجاربي اليومية أن السائق الذي يقضي جل يومه واء «التارة»، يرى في نفسه مذيع ضل طريقه من «عالم الشاشات وبرامج التوك شو» إلى عالم «على يمينك ياسطى.. فيه باقي عشرة ورا».
وربما اكتسب سائق الميكروباص مهارات التواصل والتفاعل مع الجمهور من خلال عمله، فهو يحتك بمختلف فئات الشعب العاملة والخاملة، ويستمع لهم ولأحاديثهم الجانبية عن شئون حياتهم ومشاكلهم وتطلعاتهم وخصامهم.. يستمع إلى مكالمات الأزواج الهاتفية عن الفينو واللب والبامبرز ومصاريف المدارس.. يستمع إلى البنت أم المريلة الكحلي وهي تهاتف حبيبها همسا إلى أن تفلت منها ضحكة صارخة.. يستمع إلى الموظف الذي يسب مديره.. يستمع إلى السيدة التي تبحث عمن يقرضها مبلغا لزوم جهاز البت.. يستمع إلى المرضى الذين يبحثون عن سرير في مستشفى.. وكذا يستمع إلى المهندس والطبيب والمحامي والصحفي والسباكين والمكوجيه في أعالي الجبال.. يستمع ويستمع ويستمع..
اقرأ ايضا: من سي عبده لـ شاكوش
كل هذه الخبرات أكسبت السائق الكثير من المعارف والعلوم، فظن أن بإمكانه التحدث في مختلف الشئون بداية من الوصفات البلدية للحصول على أفضل نتيجة لإزالة بقعة الحبر، وصولا إلى وصفة مجربة للقضاء على الكورونا بفص توم وعصرة ليمونة..
كما أنه خبير استراتيجي في مختلف العلوم العسكرية والأمنية والمخابراتية، ولا تسأله عن مصادره، فهو حصيف ماكر أولعوبان دحلاب مطاط لا يكشف عن مصادره.
وكما أن «الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة»، فإن سائق الميكروباص لا يرضى بدور أقل ن الأستاذ عمرو أديب، إذ يتحدث في كل المواضيع معتمدا على جهورية صوته وقوة حنجرته، دون أن يسمع لجنس مخلوق أن يقاطعه حتى بين الفواصل..
اقرأ ايضا: أمي كاذبة
يتحدث السائق دوما بعلو حسه، لكنه من وقت لآخر يخفض صوته، ليخبر الزبون الجالس إلى جواره بمعلومة سرية حصرية، لا يصح أن يفشيها بين العامة.. وقد يتطرق في بعض فواصله السريعة إلى «عود البطل» المار من أمام السيارة، أو السائق الغشيم الذي يقود سيارة ملاكي صارخا أن «تلاقي أمه هي اللي جيباهاله».
أما هذا الجالس إلى جواره، فالويل له إذا ما فكر في مقاطعة حضرة الأسطى المذيع بكلمة، إلا إذا كانت تطبيلا له، وتمجيدا فيه، وتصديقا لكلامه الخزعبلي، ويفضل أن يكتفي فقط بهز رأسه مؤمنا على كلام الـ«عمرو أديب» الجالس إى جواره.
اقرأ ايضا: تاريخ الطبلة.. قرون من "القرع" و"لم النقوط"
فيما يسمح بمداخلات بسيطة لجمهور الراكبين، على أن تكون استفسارات لا مقاطعات للإدلاء بأراء تعارض ما يقوله السيد السائق.. أما الدور الرئيسي لجموع الركاب فهو الضحك كلما ألقى السائق إفيه، وتأييد صواب وجه نظره بـ«والله معاك حق يا أسطى»، والدعاء له بأن يستر الله طريقه.. وأخيرا على جمب ياسطى.