أخطر من «ابن تيمية»
هل تعرف من هو «تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني»؟
غالبا ستكون الإجابة «لا» رغم أنك تعرفه، أو لنكن أكثر دقة أنت تعتقد أنك تعرفه لأنك تعرف اسمه الشائع بين الناس، وربما ذكرت اسمه في الساعة التي سبقت قراءتك لهذه السطور، فصاحب هذا الاسم هو أحد الذين يتصدرون التريند في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك وتويتر، وذلك بعد أن أذيعت إحدى حلقات مسلسل تلفزيوني ذائع الصيت هذه الأيام تناولت سيرته بشكل مباشر..
وكي لا أطيل عليك صديقي وأنا أعلم أن مرارتك لا تتحمل مثل هذه المراوغات، فإننا نتحدث عن «ابن تيمية»، ألم أقل لك أنك تعرفه، أو على الأقل تعتقد أنك تعرفه!
اقرأ ايضا: عجوز يكتب التاريخ على حذاء
وبعد، هل سبق لك أن علقت على قضية مثارة أو خضت في جدل يتعلق بابن تيمية؟ غالبا، أيضا، ستكون الإجابة «نعم»، فلا حديث لـ «السوشيال» ميديا هذه الأيام سوى عن ابن تيمية، وهل هو أحد المجددين المعتدلين أم أنه عراب الإرهاب والإرهابيين الذين أخذوا من فتاويه وأقواله ما يبررون به «تكفير» الجميع بل وقتل الجميع، فلا أحد ناج إلا «المختارون» أو ولاد المحظوظة الذين يتبعون «الطريق القويم»، بحسب معتقدات «الإخوة».
المهم، نحن هنا لسنا بصدد التبحر في ما كتبه أو قاله وأفتى به ابن تيمية، الذي عاش ورحل عن دنيانا قبل أكثر من سبعة قرون كاملة، فقضيتنا أهم وأخطر..
قضية أخطر من الإرهاب ذاته، إذ أنها تمثل بيئة خصبة لإنتاج إرهابيين بمختلف أشكالهم، بداية من ذوي الوجوه الجامدة وانتهاء بالإرهابيين «الكيوت» الذين يتمسحون في التنوير ويتخذونه ستارا لممارسة إرهابهم الجميل ضد من يخالفهم الرأي..
باختصار هي قضية الجهل أو التكاسل عن المعرفة والخوض في أمور لا يعرف المتحدث عنها شيئا سوى ما حصله من كلام عام يتردد هنا وهناك دون التحقق منه، فكثير ممن يتحدثون عن ابن تيمية سواء كانوا ضده أو معه لم يقرأ الواحد منهم سطرا مما كتب، ومع ذلك فأحدهم لا يتردد لحظة واحدة في الدفاع عن الرجل ووصفه بشيخ الإسلام والآخر لا يجد حرجا في شن الهجوم عليه ووصفه بعراب الإرهاب..
اقرأ ايضا: أمى كاذبة
شخصيا لا أدعي أني أملك الحقيقة، ولست من هؤلاء الذين يمكنهم الحديث في هذا الأمر، فكل ما لدي مجرد محاولات للفهم والمعرفة، لكنها غير كافية لإبداء راي قاطع مبني على علم وتثبت ويقين.. وهذا ليس همي وشغلي من وراء كتابة هذه السطور..
ففي وقت تبنى فيه الأمم بالمعرفة والعلم، نقف نحن على ناصية الماضي، نتحدث ونخوض في أمور لا نكلف نفسنا عناء البحث فيها، قبل أن تتحرك ألسنتنا.. نحن «قطيع» السوشيال ميديا، نساق دون حتى أن نعرف أننا «قطيع».. وهذه مصيبة أكبر، فكم شخص لفقنا له تهما هو منها براء، وكم من شخص وضعناه في مصاف الأنبياء وهو «مجرم»!
والمضحك حد البكاء أننا نفعل ذلك في وقت بات فيه الوصول للمعلومة والتحقق منها أسهل من إعداد كوب شاي، فكل ما تحتاجه لمعرفة معلومة أو تحقيق مقولة أو حتى قراءة كتاب هو ضغطة زر لتنفتح أمامك الآفاق، لم يعد مطلوب منك أن تذهب إلى المكتبات والبحث في الأرفف والسفر لإلقاء نظرة على مخطوطة، فقط اكتب كلمة في محرك البحث وتصفح ما شئت من بين آلاف الصفحات..
اقرأ ايضا: سيما أونطة
لكن من قال إننا نريد الحقيقة، نحن نريد صنع حقيقة على مقاس أهاوائنا، فالمتدين –أو بالأحرى مدعي التدين – لن يتردد لحظة في الدفاع عن «شيخ» دون أن يقرأ له كلمة، لكنه سيفعل ذلك من باب نصرة الدين، وهو لا يعلم أن في دفاعه هذا يساهم في تشويه الدين..
وكذلك يفعل من يدعي أنه «تنويري» - وكأن الأديان ضد التنوير – فلا يتردد لحظة في وصم هذا أو ذاك بالترويج للفكر الإرهابي لمجرد أن ذلك «المتهم» من أصحاب اللحى..
الحقيقة أن كل منا يرهب الآخر على طريقته الخاصة، لتبقى كلمة السر «إن لم تكن معي فأنت ضدي».