حكم الشرع فى التحكم في جنس المولود
هل يمكن التحكم فى جنس المولود وهل يجوز شرعا معرفة جنس المولود قبل الولادة أم أنه لا يجوز؟
ورد هذا السؤال فى الجزء الخامس -المعاملات- من كتاب "أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام" لفضيلة الشيخ عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فيقول فضيلته:
قضية الذكورة والأنوثة فى المولود شغلت العالم من قديم الزمان، وحكيت فيها أمور هى أقرب إلى الخيال، ولكن شغل بها العلماء حديثا، فأصدر العالم "بروك كوبو" فى القرن الثانى عشر كتابين، أحدهما يحلل فن إنجاب الذكور، والثانى يبين كيف تنجب الإناث..
وحول هذا الموضوع انعقد فى مدريد خلال شهر أبريل سنة 1976 المؤتمر الطبى الأوروبى السادس، وكان الاتجاه إلى أن الرجل هو المسئول بطبيعته عن إنجاب الذكور والإناث، لأنه هو الذى يملك الحيوان المنوى الذى ينقسم إلى نوعين أطلق عليهما العلماء اسم "الكروموسوم س" و"الكروموسوم ص" وقد حدد الأطباء نسبة قليلة جدا من الرجال لا تتعدى 9 % لا تملك سوى "س" فقط أو "ص" فقط، وهذه النسبة هى التى تنتج نوعا واحدا..
اقرأ أيضا: حكم ضرب الزوجة
وبناء على ذلك قام العلماء بتطبيقات للفصل بين خلايا الذكورة والأنوثة، ولهم فى ذلك عدة طرق، بعضها يقوم على التغذية كما فعل الدكتور "جوزيف ستولكو ويسكى" أستاذ الفيزيولوجيا بكلية العلوم بباريس، والدكتور "لورين" بمستشفى القلب المقدس فى مونتريال بكندا..
وبعضها يقوم على عامل الزمن كما جاء فى كتاب العالم دكتور "أوجسمت بوروسينى" وبعضها يقوم على فصل الخلايا، إما بالدش المهبلى أو التيار الكهربائى أو باستعمال أقراص تؤدى هذا الغرض، وعلمنا من هذه المحاولات للتحكم فى نوع الجنين أن نسبة النجاح فيها كانت حوالى 80 % وأن للعوامل النفسية والعقلية دخلا كبيرا فى صلتها بالأجهزة التى تفرز مادة الجنس، وللظروف المحلية فى الزوجين وغيرهما كذلك دخل كبير فى تكوين الجنين وتحديد نوعه، بل فى أصل الحمل.
وهذا يدل على أن جهود العلماء فى هذا المجال ليست صحيحة 100 % مما يؤكد أن قدرة الله هى المؤثر الأول والمتحكم بثقة فى نوعية الجنين، لأنه هو المالك لكل هذه العوامل، والأسباب، مصداقا لقوله تعالى: {لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} الشورى..
اقرأ أيضا: حكم الشرع فى نفقة المتعة
وعلى الرغم من تقرير الإسلام لذلك فإن هناك تطلعات بين المسلمين تحاول معها أن يرزقهم الله نوعا من المواليد، وهو الذكور غالبا، وأكثر هذه المحاولات أدعية وأذكار فى أوقات معينة، مما يدل على أن الأمر كله بيد الله سبحانه، ونحن لا نشك فى أن الدعاء من وسائل تحقيق الرغبات إذا تمت شروطه المعروفة، ولكن بعض الأدعية الخاصة بإنجاب الذكور موضوعة لا أصل لها من قرآن أو حديث..
ومنها ما هو موجود فى الكتب الطبية أو كتب الخواص ونحوها، مثل ما جاء فى كتاب "مفيد العلوم ومبيد الهموم" للخوارزمى "ص 85" أن من أراد الولد فليقرأ عند الجماع {قل هو الله أحد} ثم يقول: اللهم ارزقنى من هذا الجماع ولدا اسميه محمد أو أحمد، يرزقه الله الولد، وقد جرب ذلك كثيرون فرزقهم الله أولاد.
هذا، وقد ورد فى صحيح مسلم عن ثوبان أن يهوديا جاء يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الولد، فقال له "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فَعلا
أذكَرا بإذن الله، وإذا علا منى المرأة منى الرجل أنثى بإذن الله "فقال اليهودى: صدقت وإنك نبى".
اقرأ أيضا: الفرق بين الخمار والحجاب والنقاب
وأقول: على ضوء ما ذكر من احتواء نطفة الرجل على عناصر التذكير والتأنيث، واقتصار بويضة الأنثى على عنصر التأنيث بألا يمكن أن يفسر علو ماء أحدهما على الآخر بسبق حامل، عنصر التذكير فى النطفة إلى تلقيح البويضة، فيمكن أن يكون المولود ذكرا، وبغلبة عنصر الأنوثة فى المرأة إذا لقحت بويضتها بعنصر الأنوثة فى منى الرجل؟ وعلى كل حال فإن الحديث لم ينس أن يذكر مع ذلك كلمة "بإذن الله" للدلالة على أن المتحكم الحقيقى هو الله سبحانه.
هذا، وأما معرفة نوع الجنين قبل ولادته فقد بذلت لها محاولات كثيرة قديمة وحديثة لا مجال لذكرها، ولكن كل المحاولات ظنية وليست يقينية، ولئن عرف نوع الجنين فلا يعرف كل ما كتب له من عمر ورزق وشقاء أو سعادة كما صح فى حديث البخارى ومسلم، والمعرفة الظنية أو الناقصة غير الشاملة لا تتعارض مع علم الله اليقينى والشامل لكل أحوال الجنين، كما يدل عليه قوله تعالى {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 6)، وقوله {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} (الرعد:8).