وجبات «مسمومة» في شبرا
بصفتي أحد العاملين في مجال الصحافة، فإن بريدي الإلكتروني (email) – كغيري من الصحفيين– متاح لكثير من الجهات التي تنشط في مجال «التسويق الإعلامي والإعلاني» سواء وكالة كبيرة أو مجرد شخص يتولى «تلميع» وترويج شخصية ما إعلاميا..
وعليه فإننا نتلقى يوميا عددا كبيرا من الرسائل التي تحمل معلومات وأخبار وربما حوارات «جاهز» لخدمة من يدفع.. من يدفع للوكالة أو «المروج» بالطبع، فحصول الصحفي على أجر من «المصدر» مقابل النشر يعد جريمة تخالف ميثاق الشرف الصحفي.
اقرأ ايضا: الفلسفة الحزلقومية في الأعمال الإسبانية
لكنني أبدا لم أتلق رسالة «رخيصة» مثل تلك التي تلقيتها هذا الصباح.. فما قصتها؟
والرسالة مصدرها شخص غير معروف – بالنسبة لي – وتحتوي على خبر بعنوان «الوحدة الوطنية تتجسد في حي شعبي قاهري عريق – ما بين قوسين شبرا»، أما سطور الخبر فتتحدث عن رجل البر والتقوى الذي يقوم يوميا بإعداد وجبات طعام من أجل إفطار الصائمين، ويتولى بتوزيعها شخصيا على أهالي الحي، ما يكبده إلى جانب التكلفة المالية عناء ومشقة العمل والانتقال في ظل الإجراءات الاحترازية التي تفرضها الحكومة في مواجهة انتشار وباء كورونا.
وبالطبع تحتوي الرسالة على كلمات عاطفية تتأرجح ما بين الأخوة والتماسك والتعاون بين نسيج الأمة (كون المتبرع مسيحي الديانة)، في مثل هذه الظروف العصيبة.. وكلها – في رأيي - أمور لا تحتاج إلى شرح وتفصيل، فالمصريون نسيج واحد بالفعل حتى وإن شابه بعض الهنات البسيطة أحيانا من فئات ضالة تستخدم الدين وتزيفه ليكون ستارا يخفي النوايا المسمومة.
اقرأ ايضا: اقتلوا الست النكدية
وبالعودة للرسالة، يقول محررها إن « الهدف الأساسى من المائدة (التي يتكفل بها الرجل) هو المحبة لإخوانه المسلمين ورغبة منه فى مشاركتهم فرحتهم بشهر رمضان» مشيرًا إلى أن «أصدقاؤه مسلمين والعاملين معه أغلبهم مسلمين»، وهو أمر لو تعلمون عظيم.. فالتأكيد على هذه المعلومة ينطوي – ولو بدون قصد– على جانب عنصري ويؤصل الفتنة، ويؤكد المعلومة التي يريد أن ينفيها كاتب تلك الرسالة!
وبالطبع لم يغفل محرر الخبر – المدفوع – أن يضمن رسالته برسائل أخرى صغيرة تؤكد على دور الحكومة في مواجهة أزمة كورونا، وكذا دور الجيش الأبيض في مكافحة الوباء وتعريض أرواحهم وأسرهم للخطر.. ورغم أنها رسائل حقيقية إلا أن استغلالها بهذا الشكل، لا يخرج عن كونه مغازلة وملاطفة لأغراض «انتخابية» أو ترويجية خالصة.
اقرأ ايضا: عمرو أديب.. سائق ميكروباص
وتنتهي الرسالة بعدد من الصور الفوتوغرافية التي توثق جهود رجل البر والتقوى وهو يوزع الوجبات بنفسه ويصافح الفقير والمسكين والمحتاج في إعادة لمشاهد سينمائية كلاسيكية، بالإضافة إلى رقم هاتفي للتواصل مباشرة مع الرجل الذي يقوم بأعمال الخير لوجه الله..
سيدي الكريم، شبرا لا تحتاج إلى «معجزاتك»، ولا حاجة للتأكيد على المحبة بين أهلها، فما أرخص الخير إذ اختلط بالتباهي وما أحقره إن استخدم لأغراض مشبوهة.