اقتلوا الست النكدية
نحن محاطون بـ«الستيريو تايب» في كل مكان وبشكل يومي، فرؤوسنا متخمة بالأفكار والصور الذهنية، غير القابلة حتى للنقاش، عن أمور لم نختبرها، وناس لم نقابلهم، فكثير من الأمور نضعها ضمن المسلمات والبديهيات دون أن نمنح عقولنا فرصة التحقق منها.. هي ميراث الأجداد لا يمكن العبث بها، رغم أنها هي العبث بعينه.
وطبعا هذه المسلمات المزعومة لا يمكن لها أن تعبر بجوار المرأة المصرية دون أن تصيبها، فأبرز الصور الذهنية المنطبعة في العقول عن «الست» المصرية هي أنها نكدية.
في الموروث الشعبي، هناك نكتة قديمة، تقول إن رجلا كانت زوجته نكدية جدا، اتفق معها أن يعقدا معاهدة سلام تقضي بأن يكون هناك يوم للنكد ويوم للفرفشة، وحين جاء الدور على يوم الفرفشة والضحك والانبساط طلب منها أن تغني له فراحت تصدح بصوتها المزعج «بكرة النكد بكرة».
رغم سخافة النكتة، إلا أنها كاشفة إلى حد ما لهذا «الستيريو تايب» العتيق عن المرأة، الذي يربط بينها وبين الميل للحزن والنكد.
وفي السنوات الأخيرة، نشرت وسائل إعلام مختلفة عددا من الدراسات والاستطلاعات «المزعومة» تضع المصرية في صدارة قائمة «المرأة النكدية» عالميا، ولأن الأمر يستحق البحث والدراسة، تتبعت مثل هذه الأخبار المنشورة عن نكد المرأة المصرية، إلا أنني لم أتوصل لدراسة واحدة حقيقية تقطع «الشورت في البسين» في هذا الأمر، فكلها استطلاعات من عينة «دراسة بريطانية»، والتي تتحفنا بها المواقع الإخبارية بشكل يومي عن حقائق علمية «مضروبة» تؤكد الشيء وعكسه في نفس ذات الوقت.. فسبحان الله يعني.
ولا يقف الأمر عند حد الدراسات والاستطلاعات «الوهمية»، فهذه ليست سوى طرف الخيط، الذي يبدأ في «الكر»، لتنفتح بالوعة المقارنات، ما بين المصرية وقريناتها من اللبنانيات والسوريات والمغاربة والخليجيات.. فضلا عن بنات أوروبا وأمريكا وما جاورها من بلاد تركب التليفريك أعزكم الله..
ومع كامل احترامي لكل النساء حول العالم، إلا أنني وبكل فخر، وبعيدا عن أي تحيز، أنتصر للمرأة المصرية في مواجهة باقي بنات حوا، فما تكابده وتعانيه بنات النيل، بامتداد النهر وفي الصحاري شرقا وغربا، كفيل بأن يحول الزهرة إلى قطعة خشب بلا روح، ومع ذلك هي لم تتحول ولم تتبدل، فالوردة ريحتها فيها وإن ذبلت بفعل الزمن والأوغاد.
المرأة المصرية «عاطفية» بطبيعتها، وهو الأمر الذي يضفي مسحة من الحزن عليها في كثير من المناسبات السعيدة، ففي الأفراح مثلا تبكي الأمهات في وداع البنات، وهنا لا يمكن اعتبار الأمر «نكد»، بل شحنة عاطفية شديدة تأخذ شكلا مغايرا من أجل التوازن النفسي لا أكثر.
أيضا، قد تكون فكرة «نكدية المرأة المصرية» نابعة من اختلاف طبيعة آدم عن حواء، فنحن نميل في معظم الأحيان للإنفاق ببذخ في كل مناسبة نصادفها، حتى ولو اقتضى الأمر التضحية بآخر جنيه نمتلكه، متأثرين بمثل «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، بينما تميل المرأة إلى الاقتصاد في الإنفاق من باب «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود»، وما أكثر الأيام السود في حياة المصريين!!
وهناك الكثير من الأمثلة، التي يتخذها الرجل حجة لنعت زوجته بأنها نكدية، ليعاود مقارنتها بغيرها من نساء العالم كما ذكرنا سلفا.. لكنها في كل الأحوال مقارنة ظالمة، فالمصرية لا تتمتع بما يتمتع به غيرها من رفاهية وانفتاح يسمح لها بأن تتدلل و«تدلع» وتضحك ليل نهار.
المصرية تتحمل ما لا يتحمله غيرها، فقط لتحافظ على بيت، الله وحده يعلم أنه أوهن من بيوت العنكبوت.. فهي الزوجة التي تطبخ وتنظف وترتب.. هي الأم التي تربي و«تذاكر» لأبنائها.. هي الشريكة التي تنزل للعمل من أجل «قرشين» للمساعدة في مصروف البيت.. وهي الجدعة التي تصون العرض.
أدوار متعددة ومركبة تؤديها المرأة المصرية على أكمل وجه، ومع ذلك نراها نكدية فقط لأنها «لم تبتسم» حين عاد زوجها من العمل.. أو لأنها لم ترتد «الترتر» وهي تجاهد في ميادين العمل.. نعاتبها لأنها كانت «رجلا» حين تقاعس بعضنا عن الوفاء بمتطلبات الرجولة.. ونغتالها حين «تخشنت» في مجتمع يلتهم نعومتها بأنياب النظرات المفترسة.
رفقا بالمصرية التي هي «كالأرض حميمة وبهية/ كالشمس قديمة وصبية».
تنويه: كاتب هذه السطور أب لثلاثة زهرات، لهذا يعلن انحيازه لمعسكر البنات.