خدش رونق القضاء.. أم خدش في الخيال؟
أحد أدوات الإنسان في التكيف مع واقعه هو «الخيال»، نعم عندما يعجز إنسان عن مواجهة تحديات تواجهه أو ذكريات تؤرقه، وبقية من ضمير يؤنبه، فإنه يلجأ إلى خلق واقع آخر في خياله، ينتصر فيه على تحدياته ويحول ذكرياته المشئومة إلى مجدٍ عظيم كاذب، وينتشى بحكمته الوهمية ويحل مشكلته.
وليس عجيبًا أن نجد مسئولًا سابقًا مثل الأستاذ سامح كمال المحامي ورئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق ينشر على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الإجتماعي «فيس بوك» اعترافات خطيرة جدًا في صورة تباهي، ولو أمعن التفكير لكان الصمت أولى عنده من النُطق، فكل من عمل أو تعامل معه يعرفه جيدًا، ومن ثمَّ فإن البرج العاجي الذي يعتليه في الفيس بوك لن يُجَّمل من الحقيقة شيئًا.
فن النقد البناء عبر «التواصل الاجتماعي»
وقد أوضح المحامي المذكور «رئيس النيابة الإدارية» الأسبق أنه يتذكر تاريخًا من العطاء لم يذكر منه إلا الصراعات والمنافسة والغيرة منه والحقد عليه!، ونحن وغيرنا لا نذكر من ذلك التاريخ إلا توليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية بالصدفة البحتة، فقد كان معروفًا أن ذلك المنصب بالأقدمية المطلقة في تاريخ هذه الهيئة الموقرة.
ونذكر أيضًا أنه قام بتعيين زوجته الثانية مديرةً لمكتبه، وتعيين نجلها وزوجته ونجلتها وأبناء سائقها الخاص، وبعض أقاربهم وأصهارهم والمحاسيب في مسابقة تعيينات مشوهة، ولا ننسى أنه خصص سائقًا وسيارة لابنة زوجته حديثة التعيين كموظفة عبر هذه المسابقة على الرغم من أن أغلب كبار المستشارين بهيئة النيابة الإدارية الموقرة بلغوا حينذاك سن التقاعد ولم يُخصص لأي منهم سائق أو سيارة.
ويستمر المحامي سامح كمال في خلط الحقائق وهو يتحدث مدافعًا عن مسابقة تعيينات تمت في عهده لم تخلُ من الأخطاء والمخالفات، وتطوع هو ليكون محاميًا للمعينيين الذي قام بتعيينهم في تلك المسابقة!، ولكن بأجر، فقد تدخل منضمًا إلى جانب هيئة النيابة الإدارية الموقرة، ولكن مع اختلاف الغايات، فكانت النيابة والمحكمة تبحثان عن الحقيقة، بينما كان هو يبحث عن ستر مخالفات جسيمة ثابتة مستنديًا، وطمس معالم الواقعة، وأخيرًا الاستفادة المادية من عمله كمحام مبتدئ.
ومن المغالطات التي ساقها الأستاذ المحامي المذكور أنه يُلبس نفسه زي المحارب في ساحات المحاكم لنصرة الحق رغم وضوح الأسباب الحقيقية، حتى إنه يصف حالته وتأثره وهو في انتظار الحكم وكأنه القديس الخائف على من شملتهم مسابقة تعييناته المشوهة بأبناء زوجته الثانية وسائقها الخاص، ولكن المُغالطة الكبرى أن يتحدث عن الحكم الصادر بوصفه انتصارًا له!
لماذا لا تظهر قدرات المصريين إلا في «الأزمات»؟
والحقيقة أن الحكم نطق بذات ما طلبه كافة الأطراف، لأن الطاعنة على المسابقة طلبت من المحكمة الإدارية حينذاك إلغاء المسابقة فيما تضمنه من تخطيها في التعيين، بينما قضت المحكمة بإلغاء الحكم إلغاءً مجردًا من فداحة المخالفات التي استعرضها الحكم، ومنها أن إعلان المسابقة مُفصل لأشخاص معينة من حيث السن والمؤهل ونطاق السكن، ولأن القاضي بشر ومقصوده العدالة المطلقة فقد قضى مدفوعًا بحب العدالة مُتجاهلاً المصالح الشخصية.
ولم ترتضِ الطاعنة الحكم وكذلك هيئة النيابة الإدارية، وكذلك المُعينون بالقرار الذي أصدره المحامي قبل إحالته للتقاعد بأيام، وهدفهم جميعًا عدم الإضرار بحقوق الجميع، حيث كانت الطاعنة على علم بالتزوير فيما يخص نتيجتها في الاختبارات، أما الأستاذ سامح المحامي فقد كان في انتظار أتعابه، بعد أن قدم بيده صورة طبق الأصل من مستندات ظلت مفقودة بالهيئة حينًا من الدهر، وطبعًا المستفيد معلوم.
هل ينجح شعب مصر في مواجهة «كورونا»؟
ثم تأتي الاعترافات الخطيرة بمثوله دون باقي الخصوم أمام محكمة القضاء الإداري داخل غرفة المداولة وشرحه أبعاد المسابقة في مخالفة صريحة لقواعد المرافعات، بزعم أن ذلك كان بناءً على طلب رئيس المحكمة، مشيرًا إلى أن الحكم قد صدر في ذات اليوم آخر الجلسة وفقًا لتوقعاته.
نسى المحامي حديث العهد بالمهنة أن هذه الاعترافات من شأنها إبطال الحكم، وقوامها الإخلال بمبدئي المجابهة بالدليل، والمساواة بين الخصوم، وهي ادعاءات لو صحت ـونسأل الله ألا تكون كذلكـ لكانت كارثة، ونقول هذا حِفاظًا على ثوب قضاء مجلس الدولة الناصع.
هل «التسجيل الجنائي» إجراء احترازي أم وسيلة للتنكيل؟
ونحن الآن أمام فرضين أولهما أن الرواية كاذبة، وهو الأقرب للواقع في إطار التكيف الذي بدأنا به الحديث، ومن ثمَّ فهو مسكين يستحق الشفقة من الجميع، أو أنها صحيحة ويجب مساءلته عن ذلك أمام الجهات المختصة بهذا الأمر، والطعن على الحكم بالبطلان، ولعل أهل الخبرة القانونية يؤيدون ذلك.. وللحديث بقية