رئيس التحرير
عصام كامل

حكم الشرع فى إنفاق الأم على أولادها عند غياب الأب

حكم الشرع فى إنفاق
حكم الشرع فى إنفاق الأم على أولادها عند غياب الأب- صورة ارش

أنا موظفة في مكان مرموق وحالتي المالية ميسورة والحمد لله، ولي أولاد صغار من زوج ميسور الحال تركني وأولادي وسافر إلى إحدى الدول الأوربية، ولم يترك لنا ما ننفق به على أنفسنا، فهل يمكننى الأنفاق على أولادى شرعا؟ وهل يحق لي الرجوع عليه بما أنفقته أم لا؟

ورد هذا السؤال على الموقع الإلكترونى لفضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية وأجاب عليه بالأتى: أوجب الله سبحانه وتعالى للأبناء على الآباء القيام بجميع ما يحتاجونه من نفقة طعام وملبس ومسكن وغير ذلك بحسب العرف.

فقد قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، فالمولود له هو الأب، وقد أوجب الله تعالى عليه رزق النساء لأجل الأولاد؛ فتكون نفقة الأولاد عليه واجبة من باب أولى، ولقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾[الطَّلاق: 6]؛ إذ إيجاب الأجرة لإرضاع الأولاد يقتضي إيجاب مؤنتهم والإنفاق عليهم.

اقرأ ايضا: حكم الشرع فى زواج المرأة بعد وفاة زوجها

وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ؟ فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

 

وقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن نفقة الصغار تجب على الأب إذا لم يكن لهم مال، إلا أنهم اختلفوا في إلزام الأم بالإنفاق على صغارها في حالة غياب الأب أو إعساره، فذهب فقهاء الحنفية إلى أن القاضي يجبرها على الإنفاق عليهم إذا كانت موسرة؛ لأنها أقرب إلى الصغير وأولى، وإلا استدانت ثم يصير ذلك دينا في ذمة الزوج..

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع فى الزوجة التى لا تصلى

 

ويرى المالكية أنه لا يجب عليها أن تنفق على صغارها في حياة الأب ولا بعد موته، لا في يسره ولا في عسره، ويرى فقهاء الشافعية أن الأم إذا عجزت عن الوصول للقاضي، كان لها أن تنفق على ولدها من مالها، بقصد الرجوع عليه أو على أبيه، وتشهد على ذلك، ويرى فقهاء الحنابلة أنَّ الأم ترجع على الزوج بما تنفقه عليها وعلى أولادها في غيبته سواء حكم القاضي في ذلك أو لا؛ وأن لها الاستدانة وترجع عليه بما استدانته كذلك.

 

وعلى ذلك: فالنفقة حق للصغير على أبيه، فإذا قصر الأب ولم يقم بالإنفاق على أولاده وهرب من المسؤولية الملقاة على عاتقه يكون آثما شرعا؛ فقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ».

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع في هبة كلا الزوجين نصيبه للآخر بعد الوفاة

 

وقد نصت المادة 18 مكررا ثانيًا من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929م المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985م على أنه: "إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه". إلا أن المادة لم تبين مَن تجب عليه النفقة إذا كان الأب معسرا أو عاجزا عن الكسب أو غير موجود، مما يوجب النفقة على الأم الموسرة؛ عملا بالراجح من المذهب الحنفي، لكنها تكون دينا على الأب..

 

قال المستشار عزمي البكري في "موسوعة الفقه والقضاء" (3/ 8، ط. دار محمود للنشر، بتصرف): [وعليه: يتعين الرجوع في هذا الصدد للرأي الراجح في المذهب الحنفي عملًا بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والمنصوص عليه في المذهب الحنفي.. تكلف الأم بالإنفاق إن كان لها مال، ويكون ما تنفقه دينا على الأب ترجع به عليه] اهـ.

 

اقرأ ايضا: ما هي عورة المرأة أمام محارمها؟

 

وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجب عليكى ما دمتى موسرة أن تنفقى من مالك الخاص على نفسك وعلى أولادك الصغار فيما تحتاجونه؛ من: طعام، وملبس، ومسكن، وعلاج، وتعليم، وغير ذلك، بحسب العرف لأمثالكم على مثل الزوج، ويصير ذلك دينا في ذمة الزوج ترجعين به عليه.

والله تعالى أعلم

 

الجريدة الرسمية