حكم الشرع في هبة كلا الزوجين نصيبه للآخر بعد الوفاة
كتب لي زوجي رحمه الله نصف شقة مملوكة له، على ألا يقوم أحدنا بالتصرف في الجزء المملوك له إلا بالرجوع للآخر، وفي حالة وفاة أحدنا تؤول الشقة بالكامل إلى الآخر، فما حكم الشرع في ذلك؟
ورد هذا السؤال الى دار الإفتاء المصرية وأجاب عنه فضيلة الدكتور شوقي علام مفتى الديار المصرية بالآتي: الأصل المقرر شرعا أن الإنسان حر التصرف فيما يدخل تحت ملكه، ببيعه أو هبته أو وقفه أو إجارته أو غير ذلك من التصرفات الشرعية التي هي فرع عن الملك.
وقد روى الدارقطني والبيهقي عن حبان بن أبي جبلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، فهذا الحديث يقرر أصل إطلاق تصرف الإنسان في ماله، ومن ذلك تصرفُه بالهبة. وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (15/ 370، ط. دار الفكر): [والهبة.. تمليك في الحياة بغير عوض] اهـ.
وقد اختلف الفقهاء في حكم تعليق الهبة على شرط إلى قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى القول بالمنع، لأن الهبة عندهم كالبيع يراد بهما تمليك معين حال الحياة، فلا يجوز تعليقهما على شرط مستقبل، لكنهم اختلفوا في صحة هذه الهبة المشروطة على قولين، أحدهما: بطلان الهبة، والثاني: تصح الهبة ويبطل الشرط..
القول الثاني: جواز تعليق الهبة على شرط مستقبلي، وهو رواية عن الإمام أحمد، كما أنه مذهب الحنفية ما دام الشرط ملائما بحيث لا يمنع وقوع التصرف تمليك للحال.
حكم الشرع فى المصافحة باليد عند انتشار وباء
والهبة من عقود التمليكات، ومقتضى التمليك هو الجزم والتنجيز، لذلك فقد منع جمهور الفقهاء تعليق الهبة أو إضافتها إلى المستقبل، لأن الهبة تمليك في الحال، والتعليق والإضافة تنافيه، واشترطوا لصحة العقد الإيجاب والقبول والقبض.
قال الإمام شمس الدين البابرتي في "العناية شرح الهداية" (9/ 19، ط. دار الفكر): [(وتصح بالإيجاب والقبول والقبض) أما الإيجاب والقبول فلأنه عقد، والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول، والقبض لابد منه لثبوت الملك] اهـ.
فإذا مات الواهب أو الموهوب له قبل حيازة الموهوب بطلت الهبة، لأن تمام الهبة بالقبض؛ فالهبة عقد بين الأحياء، ومن ثم حظر القانون المصري أن يعقد الواهب هبة باتة ويرجئ في الوقت ذاته نقل ملكية الموهوب إلى ما بعد موته، ولا يستطيع أن يفعل ذلك إلا عن طريق الوصية وبإرادته المنفردة التي يجوز له الرجوع فيها.
حكم الشرع فى صلاة المرأة بالبنطلون وقدمها مكشوفة
أما اشتراط الطرفين على بعضهما إيالة نصيب الذي يسبق بالموت إلى الآخر فهذا من قبيل الرقبى، وهي في اللغة: من الترقب والارتقاب، أي: الانتظار، وهي من المراقبة، لأن كل واحد من المتعاقدين يرقب موت صاحبه.
وقد اختلف الفقهاء في جوازها، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها جائزة، وهي لمن أرقبها، ولا ترجع إلى المرقب، بل تصير هبة يشترط قبضها، ويلغو شرط إرجائها لما بعد موت الواهب لفساده. واستدلوا لمذهبهم بما رواه الإمام أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ، وَلَا تُرْقِبُوا؛ فَمَنْ أَرْقَبَ شَيئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ».
وبما رواه الإمام أبو داود أيضا وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «العُمْرَى جَائِزَةٌ لأَهْلِهَا، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لأَهْلِهَا». فدلت هذه النصوص على جواز الهبة وبطلان التوقيت..
حكم الشرع فى قص الشعر وصبغه باللون الأسود
وذهب الحنفية والمالكية إلى بطلان الرقبى، واستدلوا على صحة ما ذهبوا إليه من المعقول، فقالوا: معنى الرقبى أنها للآخر من العاقدين موتا. وهذا تعليق للملك بخطر الوجود والعدم، ولا يجوز تعليق الملك بالخطر.
والراجح: ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية من القول ببطلان الرقبى، لأنه تمليك بات أضيف إلى الزمان المستقبل فيبطل، ولأنه تبادل منفعة معلق على الخطر والضرر...
وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن هبة كلا الزوجين نصيبه للآخر وإرجاء تملكه إلى ما بعد الموت تصرف صحيح شرعا، لكنه يخرج من كونه هبة بعد موت أحدهما ويصير وصية نافذة في حدود ثلث التركة للوارث وغيره، ولا يشترط في ذلك إجازة الورثة، فإن زادت على الثلث لا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي.
والله تعالى أعلم.