الماضى لم يكن جنة والحاضر ليس جحيما!
دوما لدينا حنين للماضى.. ونعبر عن هذا الحنين بقولنا الشهير (الزمن الجميل) والرغبة فى استعادته سواء بأسعاره أو أخلاقه!، ولكن يظهر هذا الحنين عادة بوضوح عندما نصطدم بمشكلة أو تواجهنا أزمة فى الحاضر أو يحدث امرا لا يعجبنا، له طابع سلوكى أو قيمى.. وهذا ما حدث تحديدا عندما انفجرت المشكلة المعروفة باسم اغانى المهرجانات!
وبعيدا عن هذه المشكلة وتداعياتها اقول وانا مرتاح الضمير ان الماضى، اى ماضى قريب أوبعيد ليس افضل من الحاضر.. بل لا تصح المقارنة أساسا بين ماض وحاضر، لإختلاف الظروف والسمات الأساسية أصلا.. فلا مقارنة بين من لا يجمعهما تشابه.. فكيف نقارن مثلا المانجو بالبرتقال وكلاهما من فصيلة الفاكهة؟!
اقرأ ايضا: إعلام محترف
ماضينا لم يشهد تلك الطفرة الكبيرة التكنولوجية التى يشهدها حاضرنا الان، والتى غيرت الكثير مما اعتدنا عليه، وكان لها تأثيرها الاجتماعى والثقافى والفكري والقيمة أيضا، وبالتالى السلوكي.
ثم ان ماضينا مثله كحاضرنا كان يجمع ما بين السلبيات والإيجابيات، أو مابين الطيب والخبيث، والجيد والسىء.. أى لم يكن جنة أو فردوسا زاهرا، وحاضرنا ليس جهنم أو بشعا.. وفى مجال الغناء مثلا والذى أثار مجددا تلك المسألة فإن ماضينا كان حافلا بالأغاني الهابطة والقبيحة والتى تفسد الذوق العام بجوار الاغانى الجيدة والجميلة التى ترتقى بالذوق العام..
وحتى فى ماضينا القريب والذى مازل جيلى وأجيال اخرى تتذكره وتحن إلى فنونه وأغانيه، كانت هناك اغانى هابطة يتم ترديدها فى الشوارع وبعض الافراح، رغم حظرها فى الإذاعة والتليفزيون.
بل ان الحنين للماضى، او ما يعرفه علماء الاجتماع بالماضوية، ابتلى مجتمعنا للاسف بمن حاول استغلال ذلك سياسيا.. وظهر ذلك بجلاء فى الإشادة بحالنا أيام الملكية، رغم كل ما كنّا نعانيه من فقر وقهر وظلم واستبداد وايضاً احتلال..
اقرأ ايضا: بداية ساخنة للعام الجديد
كما ظهر ذلك بوضوح ايضا فى اعتبار العقود السبعة السابقة هى عقود التراجع مصريا لسيطرة العسكريين على الحكم فيها، وهو الامر غير الحقيقى..
الا ان أخطر استغلال سياسى للماضوية او الحنين للماضى كان ما فعلته جماعة الإخوان التى تأسست لإحياء دولة الخلافة بكل مثالبها، بل تحديدا بسوءاتها فقط.. إنها جماعة تعيد إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء ولذلك لا يمكن ان تشارك فى صنع مستقبلنا أبدا، وبالتالى لا مجال للتسامح والتصالح معها.