حب وحرب وطبل
أعظم قصص الحب تبدأ في زمن الحرب لكنها لا تكتمل، نقصانها يخلدها ولا ينهيها، فتظل حية تنزف حتى بعد رحيل أبطالها. ربما يبدو الفارق ما بين الحب والحرب مجرد حرف يندس بين الحاء والباء فيحول الدفء إلى نيران مستعرة، غير أن الحقيقة تبدو أبعد من ذلك بملايين السنين الضوئية، ففي الحرب موت وفي الحب حياة، الحرب يشنها الرجل والحب تشعله المرأة.
في كثير من الأحيان تبقى الحرب ضرورة، يتحتم على الشعوب خوضها للحفاظ على الوطن والحدود وربما الوجود، لكنها في جانب آخر تعد وتغول على الآخر بغرض سلبه حقوقه.. في الحرب منتصر ومنكسر، وأحيانا يخرج كل الأطراف وهم في خانة المنهزم.
اقرأ أيضا: اقتلوا الست النكدية
أما في الحب، فليس هناك سوى وجه واحد، لا يحتمل الأخذ فقط، بل العطاء قبل الأخذ وربما العطاء فقط.. في الحب ليس هناك خاسر، فالكل رابح حتى وإن كان ربحه مجرد لحظات من السعادة في قرب من يحب. وهكذا يبقى الحب مكسب لجميع الأطراف إلا أن تطل الحرب بوجهها القبيح، فتحيل الجميع خاسرين، وهو الأمر الذي خلدته كثير من الروايات والملامحم على مر العصور، ليكون الأدب خير شاهد على الحب والحرب..
في « الأوديسة» يروي هوميروس قصة أوديسيوس خلال حرب طرواده، والذي عاد إلى بيته بعدما وضعت الحرب أوزارها، فيجد أن كل شيء قد تغير، فلا الزوجة هي الزوجة ولا الولد هو الولد.. حتى البيت لم يعد كما كان..
اقرأ أيضا : عزيزي قاضي البلاج
وفي روايته الشهيرة «١٩٨٤» يصور جورج أوريل الحرب على أنها أمر أبدي لا ينتهي إلا ليبدأ، فيما يصبح الحب أسلوب مقاومة في زمن الحروب كي يحافظ الإنسان على وجوده.. والإنسان هنا هو الشعب لا الحكومات ولا القوى التي تبحث عن مصالح ونفوذ وانتقام.
أما في «لمن تدق الأجراس» فيحكي إرنست هيمنغواي حكاية جوردن، ذلك الشاب الذي ينضم إلى الميليشيات ضد الفاشية في إسبانيا إبان الحرب الأهلية.. إنها قصة رجل يلاعب الموت ويصارعه، لكنه لا يفقد الرغبة في الحياة، بفضل حبه لماريا، ومع ذلك فإنهما يدفعان ثمنا غاليا لهذا الحب في زمن الحرب.
وتدور رواية «في بيتنا رجل» (تحولت إلى فيلم لاحقا) لإحسان عبدالقدوس، الصادرة في خمسينيات القرن العشرين حول طالب ثائر في زمن الاحتلال الانجليزي لمصر، يقرر بعد مقتل صديقه في إحدى المظاهرات، أن يغتال رئيس الوزراء الخائن، لكنه يفشل فيقبض عليه ويلقى إلى السجن ويتعرض لتعذيب وحشي فينقل إلى المستشفى للعلاج، وهناك يتمكن من الهرب ثم يختبئ لدى أسرة زميل له في الكلية، فتنشأ بينه وبين شقيقة زميله قصة حب، غير أن رغبته في مواصلة المقاومة والقتال تحسم الصراع ليرحل عن البيت.
واقرأ أيضا : أسطورة جبال الملح
وفي كتاب «مذكرات زمن الحرب» تحكي ماج جريفز قصتها الحقيقية خلال الحرب العالمية الثانية، والتي تبدأ حين وصلت للعشرين من عمرها، حيث وصلت قرب الحدود بين ميانمار والهند، لتقوم بعملها كمرضة، فتقع فى حب جندى بريطانى، الكابتن باسل لامبرت، والذى أحبها أيضا، لكنه رفض الزواج منها خوفا من أن تصبح أرملة، فالموت في هذا الوقت كان أقرب مما يمكن تصوره. ومع ذلك عاد الحبيب فى 1947 ليتزوجا، متوجا قصة بنهاية سعيدة غير متوقعة في زمن الحرب، ليبقى الأمل قائما.
وهكذا تبقى الطبول عاملا مشتركا بين الحرب والحب.. فالحرب تبدأ بقرع الطبول أما الحب فينتهي به.