أسطورة جبال الملح
في مملكة جبال الملح، الواقعة على بعد سبعة قرون من الآن، وفي مكان غير المكان، كان هناك سجن شديد الحراسة، يجمع بين أسواره كل هؤلاء الطيبين الذين لا يعرفون سببا لحبسهم في ذلك المكان العجيب.
لم يكن للسجناء من مهمة سوى تكسير صخور الملح وسحقها لتصبح تلال من الملح الناعم، والذي يحول فورا إلى خزائن ملك جبال الملح «سوخو»، قبل تصديره إلى الممالك المحيطة، مقابل أنواع مختلفة من السلع، لم يكن يستفيد منها باقي سجناء المملكة، فلا حقوق لسجين على هذه الأرض، التي كانت يوما ملكا للأجداد، قبل أن يسيطر عليها ذلك الرجل ملون العينين.
و«سوخو»، على شره هذا، لا يشبه الأشرار في باقي الحكايات التي نعرفها، فهو رجل كما قلنا ملون العينين وملامحه لا تنقصها الوسامة، غير أن شكله هذا يجافي حقيقته.. إنه الشر ذاته في صورة ناعمة، حتى أنه كانت لديه القدرة على أن يقتلك وهو يبتسم، وكذلك أنت.. ستبتسم وهو يغرس نصل خنجره في صدرك.
المهم، نعود إلى السجن والسجناء، والذين يعيشون –على غير إرادتهم– في هذا المكان، ويعملون ويكدون مقابل كسرة خبز جافة وحفنة ملح.
ولم يكن شح الطعام هو أكبر ما يؤرق هؤلاء المساجين، إذ ابتليوا بسجان يعتقد أن لا قلب في صدره، ولم يعرف يوما معنى الضمير.. إنه «كوالين الغبي».. هكذا يلقبونه.
رجل فظ غليظ يلهب ظهورهم بالسياط، بينما وجهه الشمعي لا يتغير ولا يتأثر لأنينهم المتواصل، هو يفعل ذلك بشكل آلي، فيعاقب الواحد منهم ليل نهار دون حتى أن يقترف أي خطأ.
ظل الحال هكذا، إلى أن برز بين صفوف المساجين رجلا يدعوهم للتمرد يدعى «باجا»، وأخذ ينشر بين الناس أن لهم حقوق، في أن يعاملوا بشكل كريم، ما دام الوحيد فيهم يعمل ما عليه دون كلل أو ملل..
لسنوات طوال كان زعيم المتمردين «باجا» يدعو زملاءه من أجل الاتحاد في وجه «كوالين»، وهو ما حدث بالفعل حتى أنهم امتنعوا عن العمل، فوصل ذلك للملك «سوخو»، الذي أبدى غضبه وأمر «كوالين» أن يزيد من عقابه لهم ويجلدهم بضعف عدد السياط التي كان يجلدهم به في السابق.
بالفعل بدأ «كوالين» في جلد المساجين الثائرين ضده، لكن يده خانته وكلت من الضرب، ولم تعد عضلات ذراعيه قادرة على تنفيذ الأوامر الصادرة عن مخه، فسقط على الأرض مهزوما واهنا، وهنا انقضوا هم عليه وفسخوا أوصاله مثل دجاجة نافقة.
فكر «سوخو» في احتواء الموقف قبل أن يطاله غضب المساجين، فأخبرهم أنه قد سمع شكواهم وفهمها وإنه قرر أن يسمح لهم باختيار سجانهم ليخلف «كوالين»، فأخذوا يفكرون ويفكرون وفي النهاية اهتدوا إلى أن أصلح سجان لهم هو «باجا»، وبالفعل وافق الملك على اختيارهم وعين زعيم المتمردين سجانا.
في الأيام الأولى من ولاية «باجا» كان السجناء ينعمون بمعاملة طيبة، وطعاما جيد، إلى أن أبدى أحد السجناء تذمره من أن التفاح التي حصل عليها في الصباح لم تكن طازجة، فأخذ «باجا» يزوم ويزوم ويزوم، ثم أخرج السوط الذي كان يستخدمه «كوالا» وسلخ ظهر السجين المتذمر، الذي كان يصرخ مثل قط دهسته عجلات واحدة من عربات الملح.
كان صراخ السجين يسري بين زملائه السجناء فتقشعر أبدانهم، مما دعاهم للطرق على الأواني التي يستخدمونها في نقل الملح الناعم، كنوع من الاعتراض على ما يحدث، لكن نظرة واحدة من «باجا» كانت كفيلة بأن تخمد تلك الأصوات. وهكذا سيطر السجان الجديد على الأوضاع، وعادت الأمور لما كانت عليه، حيث لا طعام جيد ولا وقت للراحة. وتقول الأسطورة إن هؤلاء الأغبياء ظلوا وأبناؤهم يدفعون ثمن اللحظة التي لم يدركوا فيها أن حل اللغز يكمن في السجن لا السجان.