سوريا.. والخداع الشامل!
في عام 1991، كلف الرئيس الأمريكي بوش الاستخبارات الأمريكية بإطاحة صدام حسين.. ثم استعانت الاستخبارات بسبب ذلك بـ جون روندون خبير الإعلام الشهير لبدء حملة إعلامية ضد صدام للوصول إلى الهدف الذي كُلفت به.
تمر الأيام، وبعد خمس سنوات، تستضيف الأكاديمية البحرية الأمريكية جون روندون، الذي أكد لطلابها في محاضرة شهيرة أنه “ليس خبيرًا استراتيجيًّا، إنما دوره توظيف الإعلام للتأثير في وعي الناس؛ إما بإعطائهم معلومات أو بمنعها عنهم”.. ثم قال: “وهذا هو دوري في تحقيق أهداف بلادنا”.
انتهى كلام روندون، الذي كان، رغم صراحته، مهذبًا جدًّا. لم يقل إنه نصاب، وإن عليه أن يزيف أي شيء لتحقيق الأهداف الأمريكية العليا. وبالفعل، شهدت تلك الفترة أسوأ حملات الدعاية ضد صدام حسين، بلغت ذروتها في إسقاطه هو نفسه، بعد الإعلان عن سقوط بغداد قبل أن تسقط فعليًّا!
لقد سقطت بغداد إعلاميًّا قبل أن تسقط عسكريًّا. لم نصدق وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف، وتمكن الإعلام الغربي من السخرية منه حتى وقت قريب. بل اعترف الأمريكيان جون ستوبر وشيلدون رامبتون في كتابهما الخداع الشامل، بالإخراج الأمريكي لمشهد إسقاط تمثال صدام..
وأنه أُخرج بطريقة معينة لتبدو بغداد كلها خرجت لتحطيمه، بينما العكس هو الصحيح. لقد كان مرتزقة هم من هدموا التمثال، بينما تجاهلت الكاميرات آلاف العراقيين الذين جاءوا لوقف الهدم ومنع تحطيمه، في حين كانت القوات الأمريكية تمنعهم!
التجربة نفسها أعدت في ليبيا بديكور يشبه الساحة الخضراء.. وكادت تحدث قبل سنوات بأنباء عن سقوط دمشق ذاتها.. لولا فضح الإعلام السوري وقتها للخطة..
ثم يذكرنا قبل رحيله، أستاذ علم النفس السياسي الدكتور قدري حفني في مقال شهير له عن الموضوع نفسه بقصة الفتاة نيرة، التي بكت وانهارت أمام تلفزيونات العالم، وهي تروي كيف ألقى الجنود العراقيون الذين دخلوا الكويت خلال الغزو بأطفال الكويت من حضانات المستشفيات! ثم ثبت فيما بعد أن القصة كلها مفبركة.
الخلاصة:
حروب الإعلام اليوم تسبق القتال وتسير معه. فلا تقع فريسة لها، ولا تردد الأكاذيب أو تدعم عدوك دون أن تدري. لا تتحدث إلا فيما تعرف، وأنتظر حتى تعرف أن لم تكن تعرف. وتذكر أن استخدام عقلك قليلًا أفضل من تركه بلا عمل، فهذا أفضل جدًّا من أن تكون أداة في يد أعداء أو إرهابيين أو مجرمين.. تردد أكاذيبهم كأنك تمامًا.. من جنودهم!