المجددون.. ابن عطاء الله السكندري، عدو الصوفية الذي صار من أعلامها

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها".
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.
ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينية والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.
ابن عطاء الله السكندري (658 هـ - 709 هـ)
قال عنه الحافظ ابن حجر في ترجمته له في "الدرر الكامنة": أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاج الدين أبو الفضل الإسكندراني، الشاذلي صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه، وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فبالغ في ذلك، وكان يتكلم على الناس، وله في ذلك تصانيف عديدة.
اعتبره محيي الدين الطعمي في كتابه "طبقات الشاذلية الكبرى" أحد المجددين البارزين.
من هو ابن عطاء الله السكندري؟
ابن عطاء الله السكندري من أهم فقهاء المالكيّة والصوفيّة الذين لم ينتشر علمهم في الديار المصريّة والشاميّة فقط، وإنما تعداهما ليصل إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
هو تاج الدين، ومنبع أسرار الواصلين، أبو الفضل، سيدي "أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله"، الجذامي نسبا، المالكي مذهبا، الإسكندري دارا، القرافي مزارا، الصوفي حقيقة، الشاذلي طريقة، أعجوبة زمانه، ونخبة عصره وأوانه، الجامع لأنواع العلوم من تفسير، وحديث، وفقه، وتصوف، ونحو، وأصول، وغيرها.
تعليمه
درس علوم التفسير والحديث والفقه والتصوّف، والنحو والبلاغة، والأصول والبيان وغيرها، على يد الشيخ ناصر الدين بن المنير.

وتلقى علم الكلام والفلسفة على يد الشيخ شمس الدين الأصفهانى، كذلك صحب أبا العبّاس المرسي، وصار من خواص أصحابه بعد أن كان من المنكرين عليه، ولازمه 12 عامًا فأخذ عنه كلام الصوفيّة وآثار السلف.
عدو الصوفية صار من أعلام التصوف
كان "فقيها عالما ينكر على الصوفية، ثم جذبته العناية إلى اتباع طريقتهم الرضية، فصحب شيخ الشيوخ أبا العبّاس المرسي، وانتفع به، وفُتِحَ له على يديه بعد أن كان من المنكرين عليه، وسيرته معه...".
حدثت بينه وبين أصحاب أبي العباس المرسي قبل صحبته إياه مقاولة (كلام)، يحكي ذلك في "لطائف المنن"، فيقول: "وكنت أنا لأمره (يعني أبا العباس المرسي) من المنكرين، وعليه من المعترضين، لا لشيء سمعته منه ولا لشيء صحّ نقله حتى جرت بيني مقاولة وبين أصحابه، وذلك قبل صحبتي إياه، وقلت لذلك الرجل: "ليس إلا العلم الظاهر"؛ وهؤلاء القوم يدّعون أمورا عظيمة وظاهر الشرع يأباها...، وكان سبب اجتماعي به أن قلت في نفسي بعد أن جرت المخاصمة بيني وبين ذلك الرجل: "دعني أذهب أنظر إلى هذا الرجل فصاحب الحق له أمارات لا يخفي شأنه، فأتيت إلى مجلسه، فوجدته يتكلم في الأنفاس التي أمر الشارع بها، فقال: الأول إسلام، والثاني إيمان، والثالث إحسان. وإن شئت قلت: الأول شريعة، والثاني حقيقة، والثالث تحقق...، قال: "وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهي، ومدد رباني، فأذهب الله ما كان عندي...".
وأصبح من خواص أصحابه، ولازمه حتى أشرقت أنواره عليه وفُتِح له على يديه ثم استقر في الأزهر يدرّس الفقه والتصوف.

ذات مرة، قال له شيخه أبو العباس المرسي: "الزم فو الله لئن لزمت لتكون مفتيا في المذهبين، يريد مذهب أهل الشريعة أهل العلم الظاهر، ومذهب أهل الحقيقة أهل العلم الباطن".
قالوا عنه
قال عنه الذهبي: كان له جلالة عجيبة ووقعٌ في النفوس ومشاركة في الفضائل، ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقي لما رجع من مصر معظمًا لوعظه وإشارته، وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس، ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثُر أتباعه وكانت عليه سيما الخير...
وقال عنه الزركلي في "الأعلام": أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري متصوف شاذلي، من العلماء.
وقال عنه "ابن عجيبة": هو الشيخ الإمام تاج الدين، وترجمان العارفين، أبوالفضل أحمد بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله، الجذامى نسبًا، المالكى مذهبًا، الإسكندرى دارًا، القاهرى مزارًا، الصوفى حقيقة، الشاذلى طريقة، أعجوبة زمانه، ونخبة عصره وأوانه.
وقال الإمام الشعراني عن ابن عطاء الله في طبقاته: ”هو الزاهد المذكر، الكبير القدر، تلميذ الشيخ ياقوت، وقبله تلميذ الشيخ أبى العباس المرسي، كان ينفع الناس بإشاراته، ولكلامه حلاوة في النفوس، وجلالة”.
وقال عنه الحافظ ابن حجر في كتابه “الدرر الكامنة”: “وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فبالغ في ذلك، وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة”.
خصومة مع ابن تيمية
عاصر ابن عطاء الله الذي آلت إليه زعامة الطريقة الشاذلية بعد وفاة شيخه أبي العباس المرسي، ابن تيمية (661-728هـ) المعادي للصوفية، فكان من الطبيعي أن تنشب خصومة متبادلة بينهما.
ويذكر ابن حجر العسقلاني أن نقد ابن تيمية للشاذلي وطريقته لاقتا ردًا عنيفًا من ابن عطاء الله، وكتب في ذلك "لطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن"، ردًا على ابن تيمية الذي هاجم أبا العباس المرسي وأبا الحسن الشاذلي.
ويؤكد المستشرق الألماني كارل بروكلمان، أن ابن عطاء الله كان يحذر مريديه من الإصغاء إلى أعداء الصوفية الآخذين بعلم الظاهر، ويحضهم على الفرار منهم فرارهم من الأسد، وكان يقصد ابن عطاء الله بأتباع علم الظاهر الإمام ابن تيمية ومن نحا منحاه.
رغم أن ابن تيمية شهد له: "أعرف عنك الورع، وغزارة العلم، وحِدَّة الذِّهن، وصِدقَ القول، وأشهد أني ما رأيتُ مثلكَ في مصر ولا في الشام حبًّا لله، أو فناءً فيه، أو انصياعًا لأوامره ونواهيه".
الحِكَم.. أشهر مؤلفاته
له تصانيف، أشهرها: الحكم العطائية، حيث اشتهر بن عطاء الله السكندري بمجموعة حكم تدعو لتزكية النفس أوردها في كتابه "الحكم العطائية"، وعددها 264، وتعتبر خلاصة علمه وتجربته في الحياة.
وترجمت "الحكم العطائية" إلى عدة لغات، وحظيت بانتشار كبير في العالم الإسلامي، ونالت شروحها الداني والبعيد، وقرأها الكبير والصغير، وما زالت مرجعا وافيا في لون متميز من ألوان السلوك الإنساني، والمعراج إلى حضرة القدس الأعلى.
عالج في كتابه هذا، مختلف الموضوعات التي تحدث عنها الصوفية، ولعل أهمها: "كيف نستدل على الله، صلتنا بالله، التجريد والأسباب، الشهرة والخمول، دقائق الرياء.
من الحكم العطائية
“من أشرقت بدايته أشرقت نهايته”.
“لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك، إنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك”.
“لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك، ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك”.
“قوت الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب”.
“من مدحك فإنما مدح مواهب الله عندك، فالفضل لمن منحك لا لمن مدحك”.
“مَتى أَوْحَشَكَ مِنْ خَلْقِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُريدُ أَنْ يَفْتَحَ لَكَ بابَ الأُنْسِ بهِ”.
“متى أطْلَقَ لسانَكَ بالطَّلبِ؛ فاعْلَمْ أنَّه يُريدُ أنْ يُعطيَكَ".
ومن مؤلفاته أيضا:
"لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه الشاذلي أبو الحسن": وهو عبارة عن مقدمة وعشرة وأبواب وخاتمة، المقدمة في تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع بني آدم، وذكر أقسام الولاية، وما تبقى تعريف بشيخه أبي العباس وبعلمه ومجرباته وما فسره من الآيات والأحاديث، وما ذكره من كلام أهل الحقائق ودعائه وشعره...، "ولهذا المؤلف قيمة كبرى في التعريف بآداب الطريقة الشاذلية، وقد حفظ ابن عطاء تراث الشاذلية الروحي من الضياع".
"التنوير في إسقاط التدبير": ذكر ابن عطاء الله أنه ألفه بمكة ثم استدرك عليه بدمشق وزاد فيه. قال في مقدمته: "إذا طالعه المريد الصادق عرف أن المتلوث لا يصلح للحضرة القدسية".
”تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس”، و”القول المجرد فى الاسم المفرد”.
وينسب إليه كتاب: “مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح”.
وفاته
توفي ابن عطاء الله سنة 709 هجريًّا في القاهرة، بالمدرسة المنصورية كهلًا، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
ودفن في خلوته التي كان يتعبد فيها في مقبرة بجبل المقطم، ولا تزال موجودة حتى الآن في منطقة الأباجيّة، كما أن خلوته كانت نفسها خلوة شيخ الأزهر الأسبق، عبدالحليم محمود، الذي سعى لبناء مسجد باسم عطاء الله السكندري بجانب قبره، وبجوار خلوة السيدة نفيسة، رضى الله عنها، وأنشئ المسجد في عام 1973، وما يميز المسجد عن غيره أنه يضم على جدرانه الحكم العطائية بجانب الآيات قرآنية.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا