رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. الإمام أحمد الرفاعي أسلم ابن هولاكو على أيدي تلاميذه

مسجد الرفاعي بميدان
مسجد الرفاعي بميدان القلعة بالقاهرة، فيتو

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

 

 

أحمد الرفاعي (512 هـ - 578 هـ)

يعد الإمام أحمد الرفاعي، الفقيه الشافعي الأشعري الصوفي، (512 - 578) هـ، أحد أهم مجددي القرن السادس الهجري.
لقبوه بـ "أبو العلمين" و"شيخ الطرائق" و"الشيخ الكبير" و"أستاذ الجماعة". وتنسب إليه الطريقة الصوفية المسماة باسمه. وهو أحد أقطاب الصوفية الأربعة المشهورين.

هو الشريف مرشد الإسلام، صاحبُ مَنْقَبَةِ تقبيل يدِ سيدنا رسول الله، أبو العباس، الشيخ أحمد الرفاعي الكبير، رضي الله عنه، ابن السيد السلطان علي أبي الحسن دفين بغداد.
ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الشهيد الحسين السبط، ابن الإمام علي، كرم الله وجهه.

ومن جهة أمه، ينتهي نسبه أيضًا إلى سيدنا الحسين، رضي الله عنه.
ويتصل نسبه بأبي بكر الصديق، رضي الله عنه، من جهة جده الإمام جعفر الصادق.

كان مولده سنة 512هـ، في العراق بالبطائح، والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة، وفي السابعة من عمره توفي أبوه في بغداد، فكفله خاله الشيخ الزاهد القدوة منصور البطائحي وقد رباه تربية دينية وأحسن تربيته.

نشأته

منذ طفولته نشأ الرفاعي نشأة علمية وأخذ في الانكباب على العلوم الشرعية، فقد درس القرآن وترتيله على الشيخ عبد السميع الحربوني في قريته وله من العمر سبع سنوات. 

وانتقل مع خاله ووالدته وإخوته إلى بلدة "نهر دفلي" من قرى واسط في العراق وأدخله خاله على الإمام الفقيه الشيخ أبي الفضل علي الواسطي، وكان مُقرئًا ومحدثًا وواعظًا عالي الشأن. فتولى هذا الإمام أمره وقام بتربيته وتأديبه وتعليمه، فجدّ أحمد الرفاعي في الدرس والتحصيل للعلوم الشرعية حتى برع في العلوم النقلية والعقلية، وتفوق على أقرانه.

 وكان الرفاعي يلازم دروس العلم ومجالس العلماء، فقد كان يلازم درس خاله الشيخ أبي بكر أحد علماء زمانه كما كان يتردد على حلقة خاله الشيخ منصور البطائحي، وتلقى بعض العلوم على الشيخ عبد الملك الحربني، وحفظ “كتاب التنبيه” في الفقه الشافعي للإمام أبي إسحـٰـق الشيرازي وقام بشرحه شرحًا عظيمًا، وأمضى أوقاته في تحصيل العلوم الشرعية على أنواعها وشمر للطاعة وجدّ في العبادة حتى أفاض الله عليه من لدنه علمًا خاصًا حتى صار عالمًا وفقيهًا شافعيًا وعالـمًا ربانيًا رجع مشايخه إليه وتأدّب مؤدبوه بين يديه.

وكان الشيخ أبو الفضل علي محدث واسط وشيخها قد أجاز أحمد الرفاعي وهو في العشرين من عمره إجازة عامة بجميع علوم الشريعة والطريقة وأعظم شأنه ولقبه بـ"أبي العلمين"، أي الظاهر والباطن، لما أفاض الله عليه من علوم كثيرة حتى انعقد الإجماع في حياة مشايخه واتفقت كلمتهم على عظيم شأنه ورفعة قدره.

وفي الثامن والعشرين من عمر أحمد الرفاعي عهد إليه خاله الشيخ منصور بمشيخة الشيوخ ومشيخة الأروقة المنسوبة إليه، وأمره بالإقامة في أم عبيدة برواق جده لأمه الشيخ يحيى النجاري، والد الشيخ منصور الذي تولى كفالته وتعليمه منذ طفولته.

الرفاعي زاهدا

كان الإمام أحمد الرفاعي الكبير متواضعًا في نفسه خافضًا جناحه لإخوانه غير مترفع وغير متكبر عليهم، وروي عنه أنه قال: "سلكت كل الطرق الموصلة فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذل والانكسار". 
فقيل له: يا سيدي فكيف يكون. قال: "تعظم أمر الله، وتشفق على خلق الله وتقتدي بسنة سيدك رسول الله، صلى الله عليه وسلم". 
وكان يخدم نفسه، ويخصف نعله، ويجمع الحطب بنفسه ويشده بحبل ويحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين واصحاب الحاجات، ويقضي حاجات المحتاجين ويقدم للعميان نعالهم ويقودهم إذا لقي منهم أناسًا إلى محل مطلوبهم، وكان يمشي إلى المجذومين والزمنى ويغسل ثيابهم ويحمل لهم الطعام، ويأكل معهم ويجالسهم ويسألهم الدعاء، وكان يعود المرضى وإذا سمع بمريض في قريـة ولو على بعد يمضي إليه ويعوده. وكان شفيقًا على خلق الله يرأف باليتيم. ويبكي لحال الفقراء ويفرح لفرحهم، وكان يتواضع كل التواضع للفقراء.

وفي ذلك قال مشايخ أهل عصره: "كل ما حصل لابن الرفاعي من المقامات إنما هو من كثرة شفقته على الخلق وذل نفسه رضي الله عنه". 

ضريح الرفاعي في العراق، فيتو
ضريح الرفاعي في العراق، فيتو


أيضا كان يعظم العلماء والفقهاء ويأمر بتعظيمهم واحترامهم ويقول: "هؤلاء أركان الأمة وقادتها".

مناقبه 

امتدحه أبو القاسم عبد الكريم الرافعي إمام الشافعية المعروف بالعلم والزهد والكرامة، فقال فى كتابه “سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين” فى الثناء على الشيخ أحمد الرفاعي: “حدثني الشيخ الإمام أبو شجاع الشافعي فيما رواه قائلًا: كان الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه عَلَمًا شامخًا وجبلًا راسخًا وعالـمًا جليلًا محدّثًا فقيهًا مفسرًا ذا روايات عاليات وإجازات رفيعات قارئًا مُجَوّدًا حافظًا مُجيدًا حجة متمكنًا في الدين سهلًا على المسلمين، صعبًا على الضالين، هينًا لينًا هشًا بشًا لين العريكة، حَسَنَ الخَلق، كريمَ الخُلُق، حلو المكالمة لطيف المعاشرة لا يمله جليسه، ولا ينصرف عن مجالسه إلا لعبادة، حمولا للأذى، وفيًا إذا عاهد، صبورًا على المكاره، متواضعًا من غير ذلة، كاظمًا للغيظ من غير حقد، أعرف أهل عصره بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بها، بحرًا من بحار الشرع، سيفًا من سيوف الله، وارثًا أخلاق جده رسول الله، صلى الله عليه وسلم”.

وذكر الرافعي أيضًا: “……. أخبرني الشيخ بدر الأنصاري عن الشيخ الإمام منصور البطايحي الرباني، قال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل ولادة ابن أختي الشيخ أحمد الرفاعي بأربعين يومًا في الرؤيا فقال لي: يا منصور أُبشّرك أن الله يعطي أختك بعد أربعين يومًا، ولدًا يكون اسمه أحمد الرفاعي، مثلما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء، وحين يكبر خُذْه إلى الشيخ علي القارئ الواسطي وأعطه له كي يربيه لأن ذلك الرجل عزيز عند الله ولا تغفل عنه، فقلت: الأمر أمركم يا رسول الله عليك الصلاة والسلام”.

كرامة الرفاعي بتقبيل يد الرسول

هناك حادثة مشهورة جدا، رواها العديد من المؤرخين، واسمتعتُ إليها في إذاعة "صوت العرب"، منذ سنوات.
من بين من سجلوها أبو القاسم الرافعي في كتابه الذي ألّفه في الثناء على الإمام الرفاعي فسماه "سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين"، حيث قال: "حجَّ سيدنا وشيخنا السيد أحمد الرفاعي عام خمس وخمسين وخمسمائة فلما وصل إلى المدينة وتشرف بزيارة جده عليه الصلاة والسلام وقف تجاه حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ووقفنا خلف ظهره فقال: السلام عليك يا جدي، فقال له عليه أفضل صلوات الله: وعليك السلام يا ولدي، فتواجد (أصابه الوجد) لهذه النغمة (أي لحسن الصوت) وقال منشدًا:


في حالة البعد روحي كنت أرسلها   تُقَبِّلُ الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت     فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فمدَّ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يده الشريفة من قبره الكريم فقبلها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل، والناس ينظرون يد النبي، صلى الله عليه وسلم، ويسمعون كلام الشيخ، وكان فيمن حضر: الشيخ حياة بن قيس الحراني والشيخ عبد القادر الجيلي والشيخ عدي الشامي وشاهدوا ذلك هم وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين".

وقد روى هذه الحادثة المشهورة الجلال السيوطي في رسالته التي ألفها في الثناء على أحمد الرفاعي سماها "الشرف المحتم فيما منَّ الله به على وليه السيد أحمد الرفاعي من تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم".

سرد السيوطي إسناد هذه القصة من عدة طرق أُخَر ثم قال: "ومن المعلوم أن هذه المنقبة المباركة بلغت بين المسلمين مبلغ التواتر وعلت أسانيدها وصحت رواياتها واتفق رواتها، وإنكارها من شوائب النفاق معاذ الله".

المعروف أن السيوطي هذا أجيز بالإفتاء والتدريس حتى بلغ أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعًا واحدًا وخمسين، وصنّف ما يقارب خمسمائة مؤلف فاشتهرت مؤلفاته في أقطار الأرض.

ومن كرامات الرفاعي، إسلام السلطان أحمد بن هولاكو ملك التتار، على أيدي تلاميذه وخلفائه من مشايخ الرفاعية.

مؤلفاته

كتب أحمد الرفاعي مؤلفات كثيرة فقد أغلبها في غزو التتار، ومما وصل إلينا من كتبه: "حالة أهل الحقيقة مع الله"، و"الصراط المستقيم"، و"كتاب الحكم شرح التنبيه (فقه شافعي)"، و"البرهان المؤيد" و"معاني بسم الله الرحمـٰن الرحيم"، و"تفسير سورة القدر"، و"البهجة"، و"النظام الخاص لأهل الاختصاص"، و"المجالس الأحمدية"، و"الطريق إلى الله".

وفاته

عندما بلغ أحمد الرفاعي السادسة والستين من عمره مرض بداء البطن (الإسهال الشديد) وبقي مريضًا أكثر من شهر، وكان مع خطورة مرضه يتحمل الآلام الشديدة بدون تأوه أو شكوى، مستمرًا وثابتًا على تأدية الطاعات والعبادات التي اعتاد عليها بقدر استطاعته، إلى أن وافته المنية يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الأولى سنة خمسمائة وثماني وسبعين هجرية، ودفن في قبة جده لأمه الشيخ يحيى النجاري في بلدة أم عبيدة، وكان يومًا مهيبًا. 

مسجد الرفاعي بالقاهرة

أنشئ مسجد الرفاعي بميدان القلعة بالقاهرة، في القرن التاسع عشر، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ علي، المعروف بـ “أبو شباك”، حفيد الإمام أحمد الرفاعي، ثم نسب الجامع بعد إنشائه إلى الإمام أحمد الرفاعي نفسه صاحب الطريقة الرفاعية. 

وعلى الرغم من أن الإمام أحمد الرفاعي لم يدفن بذاك المسجد إلا أنه يشهد الاحتفال بمولده سنويًا في مشهد مليئًا بأجواء الفرحة والسعادة.
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية