المجددون، أبو الفرج بن الجوزي ألَّف 300 كتاب

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها".
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.
ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينية والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.
أبو الفرج بن الجوزي (508 هـ - 597 هـ)
اعتبره فؤاد عبد المنعم في مقدمة كتابه "لفتة الكبد إلى نصيحة الولد"، من المجددين.
من هو ابن الجوزي؟
هو الإمام العالم الزاهد الحافظ المؤرخ الواعظ جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، المعروف بأبي الفرج ابن الجوزي.
ينتهي نسبه إلى عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
مولده
اختلف في تاريخ مولده، والأرجح أنه وُلِد ببغداد سنة 511هـ/ 1117م، في فترة سيطرة السلاجقة على الخلافة العباسية، وبالتحديد في خلافة المستظهر بالله العباسي، وهي فترة عُرفت بالاضطرابات السياسية والعسكرية.
نشأته وتعليمه
نشأ ابن الجوزي في أحضان أسرة ميسورة الحال فقد كان أهله يعملون في تجارة النحاس، ولهذا كان ابن الجوزي يكتب اسمه أحيانا: "عبد الرحمن الصفار"، أو ابن جوزي الصفار.
توفي والد عبد الرحمن بن الجوزي وعمره ثلاث سنوات، فكفلته أمُّه وعمتُه، فأحسنتا رعايته وتربيته والاعتناء به؛ ولما ترعرع ووجدت عمته فيه من النباهة والذكاء، أرسلته إلى مسجد خاله، أبي الفضل ابن ناصر، فلزم الشيخ ابن ناصر الحافظ، وقرأ عليه وسمع عليه الحديث، وقد قيل: إن أول سماعه سنة 516هـ، أي كان لابن الجوزي من العمر نحو 5 سنوات تقريبا.
ومع ما كان يتمتع به ابن الجوزي من الغنى والثراء اللذين يغريان أي شاب أن يتمتع ويتلذذ بهما ما يشاء، وخاصة مع انتشار الغناء في بغداد، وتعدد وسائل اللهو إلا أن الصبي ما كان ينظر إلى كل هذا، بل نراه يجاهد نفسه لترويضها على القليل من متاع الدنيا، بل نشأ يتيما على العفاف والصلاح.
وكان ابن الجوزي في صغره وطفولته لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت في الهفوات، فيقول ابن كثير: "وَكَانَ وهو صبي دَيِّنًا مَجْمُوعًا عَلَى نَفْسِهِ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا ولا يأكل ما فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان".
روّض ابن الجوزي نفسه منذ صغره على حب العلم وطلبه وتعلمه، فلم يعد ينشغل بغيره ولا يهدر همته إلا عليه، فنراه يقول عن نفسه: "إنني رجل حُبِّب إلي العلم من زمن الطفولة، فتشاغلت به، ثم لم يحبب إلي فن واحد منه، بل فنونه كلها، ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه، بل أروم استقصاءه، والزمان لا يسع، والعمر أضيق، والشوق يقوى، والعجز يظهر، فيبقى وقوف بغض المطلوبات حسرات".
لم تكن حياته العلمية الأولى سهلة ميسورة، بل كانت مليئة بالمتاعب والصعاب، ولكن الفتى حُبِّب إليه العلم، فنراه يقول عن نفسه: "ولقد كنتُ في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو، كنتُ في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلتُ لقمةً، شربتُ عليها، وعينُ همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم".
شيوخه
ذكر ابن الجوزي رحمه الله شيوخه في كتاب خاص سماه "مشيخة ابن الجوزي"، وقد عدّ فيه أبو الفرج ابن الجوزي، رحمه الله، 86 شيخا وثلاث نسوة.
وقد تتلمذ ابن الجوزي على يد جملة من المشايخ والعلماء هم خيرة علماء عصره، فمع صغر سنه في طلب العلم إلا أنه تمتع بحسن بصيرته جعلته يميز بين العلماء.
ابن الجوزي.. العالم الموسوعي
كان ابن الجوزي عالما موسوعيا كبيرا، يقول ابن كثير: "برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وَجَمَعَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ نَحَوًا مِنْ 300 مصنف، وكتب بيده نحوا من 200 مُجَلَّدَةٍ، وَلَهُ فِي الْعُلُومِ كُلِّهَا الْيَدُ الطُّولَى، والمشاركات في سائر أنواعها مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّارِيخِ وَالْحِسَابِ وَالنَّظَرِ فِي النجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو".
ويقول ابن رجب الحنبلي: "ولم يترك فنا من الفنون إلا وله فيه مصنف".
وقال أيضا: "وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كافٍ".
أعمال ابن الجوزي
تنوعت أعمال ابن الجوزي بين الوعظ والتدريس والتأليف والخطابة.
الوعظ
وهو ما غلب على ابن الجوزي حتى كان أستاذا فريدا في الوعظ، وبلغ في صناعة الوعظ شهرة عمّت الآفاق، وقد شهد مجلسه الرحالة الشهير ابن جبير، وأطنب في الكلام عنه في رحلته.
التأليف
ومن أعجب ما قيل في ذلك ما قاله ابن خلكان في ترجمته لابن الجوزي، يقول: "وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا.
ويقال إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحصل منها شيء كثير، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يُغسَّل به بعد موته، ففعل ذلك، فكفت وفضل منه".
مجالس الوعظ
ما ذكر ابن الجوزي إلا وذكر معه الوعظ، وما ذكر الوعظ إلا وذكر معه ابن الجوزي، فهما متلازمان دائما، فما ترجم له مؤرخ إلا وذكر معه كلمة (الواعظ)، وما بلغ عالم في فن الوعظ بمثل ما بلغه ابن الجوزي، حتى قال ابن كثير: "وَتَفْرَّدَ بِفَنِّ الْوَعْظِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إليه، ولا يلحق شأوه فيه وفي طريقته وشكله، وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وَحَلَاوَةِ تَرْصِيعِهِ، وَنُفُوذِ وَعْظِهِ وَغَوْصِهِ عَلَى الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ، وَتَقْرِيبِهِ الْأَشْيَاءَ الْغَرِيبَةَ فِيمَا يُشَاهَدُ مِنَ الأمور الحسية، بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك، بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة".
ابن الجوزي واعظا
وقال ابن خلكان: "كان علاّمة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ".
وقد بدأت ملكات الوعظ عند ابن الجوزي من الصغر، فبدأ التصنيف والوعظ وهو صغير جدا، وذلك بعد وفاة شيخه ابن الزاغوني سنة 527هـ، أي كان يبلغ من العمر 16 أو 17 عاما، وقد أخذ عنه الوعظ والفقه بل وخلف أستاذه ودرّس في حلقته مع صغر سنه في جامع المنصور.
وعن وصف مجالس وعظ ابن الجوزي يقول سبطه أبو المظفر: "أقل ما كان يحضر مجلسه عشرة آلاف، وربما حضر عنده مائة ألف، وأوقع الله له في القلوب القبول والهيبة.
وكان زاهدا في الدنيا، متقللا منها، وكان إذا وعظ اختلس القلوب وتشققت النفوس دون الجيوب.
قال ابن الجوزي في تاريخه: "تاب على يدي أكثر من مائة ألف، وقطعت أكثر من عشرين ألف طائلة ولم ير لواعظ قط مثل مجلسي جمع الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء".
ولم تقتصر مجالس وعظ ابن الجوزي على مدرسته وداره بل تعدت إلى جوامع بغداد ومدارسها، وكان الناس يزاحمون مجالسه من شدة الحضور، ومن تلك الأماكن مدرسته بدرب دينار، وهي التي بناها أبو الفرج ابن الجوزي ودرس بها سنة 570هـ، وقد درَّس في أول يوم تدريسه بها أربعة عشر درسا من فنون العلم، ومن أماكن وعظه كذلك باب بدر وجامع القصر وجامع المنصور وغيرها كثير.
ولم تكن مجالس وعظ ابن الجوزي مقتصرة على الرقائق وفقط بل كانت مليئة بفنون العلوم، ومنها تفسير القرآن الكريم، وقد انتهى ابن الجوزي من تفسير القرآن الكريم في يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى سنة 570هـ.
ولشهرة مجالس ابن الجوزي في التدريس والوعظ كان الخليفة ووزراؤه وأعيان الخلافة والفقهاء يحضرون مجالسه في دار الخلافة نفسها.
أخلاقه وصفاته
كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة.
تمتع بجملة من الأخلاق والصفات التي لا تتوفر إلا في أفراد الرجال، وفي هذا يقول ابن كثير: "وَكَانَ وهو صبي دَيِّنًا مَجْمُوعًا عَلَى نَفْسِهِ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا ولا يأكل ما فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان".
شجاعته
كان لا يخاف في الله تعالى لومة لائم، وكان ابن الجوزي يقول الحق ولو فيه رقبته، وكان لا يبخل على الأمراء والخلفاء بمواعظه ونصائحه، فقد رُوِي أنه قال لأحد الأمراء: يا أمير اذكر عند القدرة عدل الله فيك، وعند العقوبة قدرة الله عليك، ولا تشف غيظك بسقم دينك.
وكان الخلفاء والأمراء يواظبون على حضور مجالس وعظ ابن الجوزي، فالتفت مرة إلى الخليفة العباسي المستضيء وقال له: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ تَكَلَّمْتُ خِفْتُ مِنْكَ، وَإِنْ سَكْتُّ خِفْتُ عَلَيْكَ، وَإِنَّ قَوْلَ القائل لك اتّق الله خير لك من قوله لكم إنكم أهل بيت مغفور لكم، كان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إِذَا بَلَغَنِي عَنْ عامل لي أنه ظلم فَلَمْ أُغَيِّرْهُ فَأَنَا الظَّالِمُ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَكَانَ يُوسُفُ لَا يَشْبَعُ فِي زَمَنِ الْقَحْطِ حتى لا ينسى الجائع، وَكَانَ عُمْرُ يَضْرِبُ بَطْنَهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَيَقُولُ قرقرا ولا تقرقرا، والله لا ذاق عمر سَمْنًا وَلَا سَمِينًا حَتَّى يُخْصِبَ النَّاسُ. قَالَ فبكى المستضيء وتصدق بمال كثير، وَأَطْلَقَ الْمَحَابِيسَ وَكَسَا خَلْقًا مِنَ الْفُقَرَاءِ.
عبادته وزهده
قال ابن رجب الحنبلي: "وكان، رحمه الله، مع هذه الفضائل والعلوم الواسعة ذا أوراد وتأله، وله نصيب من الأذواق الصحيحة، وحظ من شرب حلاوة المناجاة. وقد أشار هو إلى ذلك. ولا ريب أن كلامه في الوعظ والمعارف ليس بكلام ناقل أجنبي مجرد عن الذوق، بل كلام مشارك فيه".
كان الشيخ يقوم الليل ويصوم النهار، وله معاملات، ويزور الصالحين إذا جن الليل، ولا يكاد يفتر عن ذكر الله، وله في كل يوم وليلة ختمة يختم فيها القرآن.
آثاره العلمية
قال ابن كثير: "وَلَهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ مَا يَضِيقُ هذا المكان عَنْ تِعْدَادِهَا، وَحَصْرِ أَفْرَادِهَ".
وقال ابن الجوزي: "أول ما صنفت وألفت ولي من العمر 13 سنة".
ومن مؤلفاته:
المغني في التفسير.. تيسير البيان في تفسير القرآن.. تذكرة الأريب في تفسير الغريب.. النَّاسِخ والمنسوخ.. جَامع المسانيد.. فنون الأفنان في عيون علوم القرآن.. تذكرة المنتبه في عيون المشتبه.. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.. المسلسلات.. مناقب أحمد بن حنبل.. صفوة الصفوة.. تلبيس إبليس.. غريب الحديث.
محنة ابن الجوزي
تعرض ابن الجوزي في آخر عمره لمحنة شديدة، وذلك سنة 590هـ، حيث امتُحِن بالنفي، والحبس، وبقي محبوسا منفيا خمس سنين يخدم نفسه بنفسه، ويغسل ثوبه ويطبخ، ويستقي الماء من البئر، ولا يتمكن من خروج إلى حمام ولا غيره وقد قارب الثمانين.
وبقي على ذلك من سنة 590هـ إلى سنة 595هـ، إلى أن أُفرج عنه، وقدم إلى بغداد، وخرج خلق كثير لاستقباله، وسُمِح له بالتدريس.. واستمر في الوعظ، ونشر العلم وكتابته إلى أن مات.
وفاته
انتقل إلى جوار ربه بين العشاءين في ليلة الجمعة 12 رمضان 597هـ وله من العمر 86 عاما.
شيعته جموع غفيرة من أهل بغداد، وغلقت الأسواق، وحُملت جنازتُه على رءوس الناس إلى مقبرة باب حرب، وكان يوما مشهودا فلم يصل إلى حفرته عند قبر الإمام أحمد إلى وقت صلاة الجمعة، ونزل في الحفرة والمؤذن يقول: الله أكبر، ودفن إلى جوار الإمام أحمد.
وحزن الناس عليه حزنا شديدا، وبكوا عليه كثيرا، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالقناديل والشموع.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا