التنمية والأمن القومي.. نحو إعادة بناء دولة القيم
لا يزال التاريخُ يعدنا ويقدم لنا أوصافًا للمستقبل البعيد ونجاحاتٍ قريبة مبهرة، نحققها مع الأيامِ بالصبر، لكنها ممزوجةٌ بمزيدٍ من الوجع. ويحذرنا التاريخ أحيانًا وبشدة، لكنه في المقابلِ لا يكف عن الإغراء والإغواء والدفع المستدام.
وحين يطمئن على تسليمنا التام على السير في رحلة النجاح والوجع؛ يفلتُ التاريخُ يدنا ويسلمنا فريسة لمفترقِ الطرق؛ لنصارع الحيرة بين خيارين: إما أن نظلَ في سكون "محلك سِر" أو نغامرَ مع المستقبلِ على الدخولِ في لعبةٍ غير محسوبة. وعادة ما نختارُ المغامرةُ، إيمانًا منا بأن الإنسانَ الذي لا ينمو مع الأيام يضمر! وأن الذي لا ينمو مع الأيام لا يمكنُ أن يعيشَ في أمان!
وكذلك الأوطان حيث يقول روبرت ماكنمار، أن الأمن القومي عبارة عن التنمية ومن دون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن، وأن الدولة التي لا تنمو في الواقع لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة. ومن ثم فإن دراسة العلاقة بين التنمية والأمن القومي يتطلب الوقوف على أبعاد ونطاقات ومتطلبات الأمن القومي في عناصره المختلفة الجيبولتيكي والديموجرافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني. كما يتطلب تحديد متطلبات كل عنصر من عناصر الأمن القومي وعلاقته المباشرة وغير المباشرة بعمليات التنمية الشاملة.
ولعل هذه الرؤية الواسعة لعلاقة التنمية بالأمن القومي تتجاوز رؤية لوراتس مروزوج الضيقة التي أكد فيها أن الأمن القومي يعني فقط غياب التهديد بالحرمان من الرفاهية. على اعتبار أن التنمية فقط قاصرة على البعد الاقتصادي، وأن الحرمان فقط اقتصاديًا، متجاهلا ًالأبعاد البيئة والاجتماعية والثقافية وحتى النفسية للتنمية.. وما يمكن أن يمثله تجاهل هذه الأبعاد من تهديد للأمن القومي بشكل عام.
ومن ثم فإن ضمان تحقيق غايات التنمية الشاملة في مجالاتها ومستوياتها وأبعادها المتعددة يقوم بالأساس على مقومات الأمن القومي بصورته المتكاملة، التي لا تنفك بحالِ عن بعضها البعض؛ إذ تشكل التنمية سياجًا منيعًا ضد المخاطر والتهديدات، مما يؤدي إلى حالة من الاستقرار على كافة المستويات الداخلية والخارجية.
وفي المقابل يؤدي الصدع أو الخلل في مقومات الأمن القومي إلى ضعف المجتمع وتصدعه وسهولة النيل منه، وقد يصل في مراحل متقدمة إلى حالة الانهيار. فمن النادر أن تجد بلدًا ضعيف تنمويًا يتمتع بدرجة مرتفعة من الأمن القومي.. فعادة ما تكون الدول المتخلفة أو الأقل في معدلات التنمية هي الدول التي يستباح أمنها القومي ويعيش أهلها في حالة مستمرة من الاضطراب وعدم الاستقرار.
ولما كان الأمن القومي يتعلق بالأساس بمفهوم التنمية الشاملة. فمن العبث أن يتم التركيز على جانب واحد من جوانب التنمية باعتباره المحور الأساسي دون غيره في تحقيق الأمن القومي الشامل. إذ أن النظرة الشاملة للأمن القومي حسب ما أورده اللواء مجدى حجازي في أطروحته للدكتوراه يتطلب التركيز على ثلاثة عناصر أساسية..
أولها الحماية، ويقصد بها حماية الدولة من المؤثرات الداخلية والخارجية التي تهدد وجود الدولة واستمرار بقائها. وثانيها السيادة، وذلك من خلال بسط نفوذ الدولة على كافة أقاليمها وحدودها البرية والبحرية والقضائية. بالإضافة إلى عنصر التنمية في إطارها الشامل والمستدام.
ولعل هذا الطرح يقترب كثيرًا من رؤية الدولة المصرية لمفهوم الأمن القومي. والذي يتلخص في قدرة الدولة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار لتحقيق التنمية الشاملة للدولة, في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية والبيئية والمعلوماتية في الدولة ضد كافة أنواع التهديدات الداخلية والخارجية سواء إقليمية أو عالمية لتحقيق الأهداف القومية للدولة.
وإذا كان البعد الاقتصادي في الأمن القومي يرتبط بالأساس بتأمين الموارد الاقتصادية الحيوية التي تحقق مستوى مناسب من الاكتفاء الذاتي لتجنب الدولة ممارسة أي ضغوط خارجية عليها، وتتمثل أبرز مؤشرات هذا البعد في معدل النمو الاقتصادي بالدولة وإجمالي الناتج المحلي وإجمالي الدخل القومي، واتجاهات الإصلاح والتطوير في البنية التحتية الاقتصادية.
فإننا لا نستطيع بحالٍ أن نتجاهل البعد الاجتماعي باعتباره حجر الزاوية في استقرار أي دولة، باعتباره حاضنة التراث الحضاري والقيمي للدولة.. ويتمثل في العلاقات الاجتماعية والتراث الاجتماعي والمنقول العقائدي والموروث الديني والروحي والهوية الثقافية وخصوصية المجتمع من العادات والتقاليد القومية. فالعوامل الاجتماعية الإيجابية تؤثر ايجابيًا وتجعل الدولة قادرة على مواجهة أي تهديدات داخلية وخارجية تمس الأمن القومي.
ويتعرض الأمن القومي للعديد من المهددات التي هي نفسها التي تهدد برامج التنمية وتقوض أي تقدم فيه.. فلا يمكن عزل تأثير الفقر على التنمية عن تأثيره على الأمن القومي.. وإذا كانت التنمية تستهدف القضاء على الفقر والحد من تداعياته على السكان من تراجع في معدلات التعليم وارتفاع في معدلات الأمية بالإضافة إلى تأثيره على تردي الحالة الصحية للمواطنين وما لها من تأثير بالغ على الأمن القومي.. فتزايد معدلات الفقر مع تراجع معدلات التعليم تصنع أرضًا خصبة لنشر الشائعات بين المواطنين؛ وما يترتب عليها من حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي..
ولهذا فعلينا أن نتفق على أن أي دولة مهما كان نظامها لها جناحان هما دولة السياسة ودولة القيم. وأنه لا يمكن بحال أن تستقيم دولة السياسة دون استقامة دولة القيم.. فعادة ما تستمد السياسة قوتها من صلابة القيم الاجتماعية والسياسية التي يتبناها المواطنون ويلتفون حولها. ومن ثم فلا تختلف مهددات التنمية عن مهددات الأمن القومي..
فإذا كان الاستقرار الاجتماعي والسياسي يعد هدفًا أساسيًا للأمن القومي فإنه في نفس الوقت ركيزة أساسية للتنمية.. فلا يمكن أن تحقق التنمية أهدافها دون أن يكون هناك استقرار.. ولا يمكن بحالٍ أن يكون هناك استثمار دون استقرار اجتماعي وسياسي.. والشواهد على ذلك كثيرة. فعندما تتزعزع الأوضاع الأمنية وتعم الفوضى يهرب الاستثمار إلى الخارج، وتتراجع معدلات التنمية؛ وبالتبعية يصبح الأمن القومي للبلاد على المحك..
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا