رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة إمام دار الهجرة (1 – 2)

مالكُ بنُ أنس
مالكُ بنُ أنس

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

هو إمامُ دار الهجرة، أبو عبدِ الله مالكُ بنُ أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل، جَدُّه الصحابيُّ أبو عامرٍ الأصبحيُّ.

كان طويلًا عظيمَ الهامةِ أصلعَ أبيضَ الرأسِ واللِّحية. أبيضَ شديدَ البياضِ إلى الشُّقرة. 

وُلِدَ بالمدينة سنة ثلاث وتسعين، عام موتِ أنسِ بنِ مالكٍ خادمِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ويعود أصله إلى قبيلةٍ يميَّنةٍ تُدعَى ذي أصبح، ونشأ في أسرةٍ ذاتِ صَونٍ ورفاهيةٍ وتجَمُّل. 

وأمُّه يمنية الأصل تُدعى العالية بنت شريك الأزديَّة.

أحدُ الأئمَّة الأربعة المشهورين، إليه تُنسَبُ المالكيَّة، كان إمامًا في الحديثِ بلا منازعٍ، له كتابُ الموطأ المشهور. 

تعرَّضَ للفتنة أيَّامَ أبي جعفر المنصورِ؛ بسبب فتوى له في قتالِ البُغاة، أقام في المدينةِ، وكان يُعظِّمُ ما جرى عليه عمَلُ أهلِ المدينةِ في الفِقهِ، وروى عن نافعٍ مولى ابنِ عُمَرَ.

وأكثَرُ مَن رحل إليه للعلمِ المصريُّونَ والمغربيونَ، فكان هذا سببَ انتشارِ مَذهَبِه في تلك البقاعِ.

تُوُفي في المدينة المنورة، ودُفِنَ في البقيع.

نشأته واهتمامه بالعلم

نشأ الإمام مالك في بيتٍ مهتم بالعلم خاصة علم الحديث والأثر، فقد كان جدُّه مالك بن أبي عامر من كبار التَّابعين، روى عن عمر بن الخطَّاب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، رضي الله عنهم، وغيرهم.

وترعرع الإمام مالك في مدينة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها تناقل قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسننه، فقد كان الإمام مُحاطًا بأسباب التنشئة العلميَّة الصَّالحة.

ومكّنه انشغال جده وأخيه النضر بعلم الحديث من الاهتمام بطلب العلم ورواية الحديث، فلم ينشغل في نشأته بتجارة أو صنعة، وإنما تفرّغ للعلم.

عالم الحجاز

بدأ الإمام مالك رحلته في طلب العلم وهو ابن عشرة أعوام، وحفظ القرآن الكريم صغيرًا، وحفظ الأحاديث النبوية، وكان حريصًا على ملازمة العلماء وحضور المجالس العلمية، وجدَّ في طلب العلم؛ فحين بلغ الواحد والعشرين من عمره كان مؤهلًا للإفتاء، وكان مخلصًا في طلبه للعلم، وظهر ذلك في ما أنتجه في علم الحديث والفقه، حتى لُقّب بعالم الحجاز.

ومن الأمور التي تدل على شدَّة حرص الإمام مالك على العلم؛ أنَّه انقطع لمدة ثماني سنواتٍ للتعلّم على يد ابن الهرمز، فكان يأتي بيته صباحًا ويغادر ليلًا، وقد ساعده حرصه على طلبه للعلم واستمراره على ذلك؛ فقد كان الإمام مالك يتميز بقوَّة حفظه، وورد في حفظه أنَّه كان يأتي عروة، وابن المسيِّب، والقاسم، وأبا سلمة، فيسمع منهم ما بين الخمسين والمئة حديث، ولا يخلط بينها أبدًا.

وكثُرَ في عصر الإمام مالك رواة الحديث، إلَّا أنَّه تميَّز بالتحرِّي الشَّديد عند أخذه للحديث واعتماده لديه، فكان لا يأخذ إلَّا من ثقات الرِّجال، وللثِّقات عنده صفاتٌ وحدود، فممّا ورد عنه في هذا الصَّدد أنه قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأذوا دينكم"، وقد قال الإمام البخاري والإمام أبو داود إنَّ أسانيد الإمام مالك من أصحِّ الأسانيد.

أبرز شيوخه

تتلمذ الإمام مالك على يد كبار العلماء، من التابعين وتابعيهم.

ومن أبرز شيوخه: نافع مولى عبد الله بن عمر.. عامر بن عبد الله بن الزبير.. سعيد المقبري.. ابن شهاب الزهري.. ابن المنكدر.. ربيعة بن أبي عبد الرحمن.. عبد الله بن دينار.

تلقى العلم على يد الإمام مالك تلاميذ كثر انتشروا في البلاد الإسلامية.

ومن أشهرهم: ابن القاسم وأشهب في مصر.. أسد بن الفرات في إفريقيا.. يحيى بن يحيى الليثي في الأندلس.. عبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن مسلمة بن قعنب في العراق. 

هيبة الإمام مالك

وكان إذا أراد أن يحدث تنظف وتطيب وسرح لحيته ولبس أحسن ثيابه، وكان يلبس حسنا. 
وكان نقش خاتمه: حسبى الله ونعم الوكيل، وكان إذا دخل منزله قال: ما شاء الله ولا قوة إلا بالله.. وكان منزله مبسوطا بأنواع المفارش.

أعظم ما وُصِف به الإمام مالك هو هيبته ووقاره، تلك الهيبة لم تكن فقط أحاديث تلاميذه أو مشايخه؛ بل كانت أحاديث الخلفاء والولاة الذين عاصروه.. حتى إذا ذهب أحد من الخلفاء إلى المدينة المنورة، وهي مستقر الإمام وداره، لم يكن له هَمّ إلا الجلوس إلى الإمام؛ ليستأنس بهذه الهيبة وهذا الوقار. 

قبر الإمام مالك، فيتو
قبر الإمام مالك، فيتو


وقال أبو مصعب أيضًا: “كان مالك يطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منه شيء”.

وقالت فاطمة بنت الإمام مالك: “كان مالك يصلي كل ليلة حزبه، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها كلها”. 

وقال ابن المبارك عنه: “رأيت مالكًا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة كانت بينه وبين الله، وذلك أني كثيرًا ما كنت أسمعه يقول: من أحب أن تفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة، فليكن في عمله في السر أكثر منه في العلانية”. 

وقال سعيد بن أبي مريم: “ما رأيت أشد هيبة من مالك، لقد كانت هيبته أشد من هيبة السلطان”. 

وقال الإمام الشافعي: “ما هبت أحدا قَطُّ هيبتي مالك بن أنس حين نظرت إليه”.

 

قالوا عن الإمام مالك

وقال سفيان بن عيينة، عندما بلغته وفاة الإمام مالك: ما ترك على الأرض مثله.
وقد روى الترمذي، عن سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبى الزبير، عن أبى صالح، عن أبى هريرة: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة». ثم قال: هذا حديث حسن.
وقد روى عن ابن عيينة، أنه قال: هو مالك بن أنس. وكذا قال عبد الرزاق. 
وقد ترجمه ابن خلكان فى الوفيات فأطنب وأتى بفوائد جمة.
وقال الإمام الشافعي عن الإمام مالك: "مالك أستاذي، عنه أخذت علمي". 
وقال ابن معين عن الإمام مالك: "كان مالك من حجيج الله على الخلق".
وقال الأوزاعي عن الإمام مالك: "هو عالم المدينة، وعالم العلماء، ومفتي الحرمين". 
وقال ابن المهدي في مالك: "ما بقي على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من مالك".

مؤلفاته

للإمام مالك مصنفاتٌ عديدةٌ في الحديث والفقه، رواها ونقلها تلاميذه عنه.
ومن أشهر مصنفاته:

الموطأ: وهو من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها، ومن أكثر مصنفات الإمام مالك التي عُرف واشتهر بها. 

المدوّنة: وهي مجموعة من المسائل الفقهية المنقولة عن الإمام مالك، وتُعرف بالمدونة الكبرى، حيث نقل أسد بن الفرات أقوال الإمام مالك إلى ابن القاسم فجمعا أقوال مالك، ورتّبها سحنون، وجميعهم من تلاميذ الإمام مالك. رسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة. 
رسالة في القدر: دونها ابن وهب. رسالة في الأقضية: رواها عن الإمام مالك محمد بن يوسف بن مطروح عن عبد الله بن عبدالجليل. 

محنة الإمام مالك

تقول الرواية الأكثر شهرة في محنة الإمام مالك والتي يرويها ابن جرير الطبري في تاريخه وغيره بأنه كان يُحَدث بحديث (لا طلاق لمُكْرَه).

وكان ذلك أثناء ثورة محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية، وهنا يختلف النقاد والمؤرخون حول تعليل المحنة؛ فيقول من يرى أن مالك كان كارهًا للعباسيين وأبي جعفر المنصور بأن مالك كان يقصد من وراء إثارة هذا الحديث حض الناس على البيعة للنفس الزكية، وأنه ليس عليهم حرج في نقضهم لبيعة أبي جعفر المنصور لأنهم بايعوه مُكْرَهين وبيعة المُكْرَه لا تجوز كما لا يجوز طلاق المُكْرَه. 

ويكمل هؤلاء الرواية فيقولون: فسعى الحاقدون والناقمون على مكانة مالك إلى جعفر بن سليمان والي العباسيين على المدينة، وقالوا له: إنه لا يرى أيمان بيعتكم فأتى به جعفر بن سليمان وجلده حتى كادت تنخلع كتفه، وكان ذلك بأمرٍ من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.

الفريق الآخر من المفسرين للمحنة يرون أن الإمام مالك لم يكن له أدنى صلة بثورة النفس الزكية، وأن حديث "لا طلاق على مكره" كان جوابًا عاديًّا لمسألة فقهية تعرَّض لها الإمام.

ويرى الشيخ محمد أبو زهرة، الذي أفرد كتابًا خاصًّا عن حياة مالك، هذا الرأي، ويزيد على ذلك بأن المحنة كانت لورود تلك الفتوى في هذا الوقت على التحديد، أي في نفس الوقت الذي خرج فيه محمد بن عبد الله وهو وقت للريبة، فما أن قال الإمام فتواه حتى ظن به العباسيون الظنون، وهذا هو الأرجح؛ لأن الإمام كان أبعد ما يكون عن السياسة وعن أمورها.

ومن وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن لزم مالك بيته فلم يكن يأتى أحدا لا لعزاء ولا لهناء، ولا يخرج لجمعة ولا لجماعة، ويقول: ما كل ما يعلم يقال، وليس كل أحد يقدر على الاعتذار.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية