الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سعيد بن جبير (4 - 4)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
أبدى سعيد بن جبير ثباتًا عجيبًا في مواجهة الطاغية الحجاج بن سعيد الثقفي، حيث اعتقد السفاح أن بيده مصائر العباد، وأنه يستطيع أن يحيي ويميت، ولكن ما هي إلا أيام حتى لقي حتفه، بأبشع طريقة.. وما لاقاه بعد لقاء ربه كان أسوأ بكثير.. والتفاصيل في السطور التالية..
دارت بين الحجاج وسعيد بن جبير محاورة طويلة تباين المؤرخون في نقلها، انتهت بقول الحجاج غاضبًا: “أما والله لأقتلنك قِتلة لم أقتلها أحدًا قبلك، ولا أقتلها أحدًا بعدك”، فقال سعيد: "اللهم لا تحلُّ له دمي ولا تمهله من بعدي".
ثم قال: "اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي".
الحجاج وابن جبير.. الحوار التاريخي
لما أوقف سعيد بن جبير بين يدي الحجاج، قال له: يا سعيد ألم أشركك في أمانتي؟! ألم أستعملك؟! ألم أفعل؟! ألم أفعل؟! كل ذلك يقول: "نعم"، حتى ظن من عنده أنه سيخلي سبيله، حتى قال له: فما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين؟!، فقال سعيد: إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم عليَّ.
فغضب عند ذلك الحجاج غضبًا شديدًا، وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه، وقال له: ويحك ألم أقدم مكة، فقتلتُ ابن الزبير، وأخذتُ بيعة أهلها وأخذتُ بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك؟!
قال: بلى، قال: ثم قدمتُ الكوفة واليًا على العراق، فجددتُ لأمير المؤمنين البيعة فأخذتُ بيعتك له ثانية، قال: بلى! قال: فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك؟ يا حرسي اضرب عنقه.
وروى بعض المؤرخين تفاصيل الحوار التاريخي.. ونسردها في السطور التالية..
ثبات سعيد في مواجهة الطاغية
الحجاج: ما اسمك؟ أجاب سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك. الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك. الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد (يقصد سيدنا محمد، رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم).
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى.
الحجاج: فما قولك في علي بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد: لو دخلتُها؛ فرأيت أهلها لعرفت. الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لستُ عليهم بوكيل. الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟ سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟ سعيد: علم ذلك عنده. الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك. الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِِ القلوب وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار؟!.
اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، فقد أغراه بالمال والدنيا، لكن سعيد أفهمه أن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة.
الحجاج: ويلك يا سعيد! سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟ سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك مائة قتلة في الآخرة.
الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟ سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرجوا ليقتلوه، بكى ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟
وبكى أيضًا صديق له، فقال له سعيد: ما يبكيك؟ قال الرجل: لما أصابك. سعيد: فلا تبكِ، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها" [الحديد: 22].
سعيد يضحك أمام الموت
ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه، فسأله الحجاج: ما أضحكك؟! سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج: اقتلوه. سعيد: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين" [الأنعام: 79].
الحجاج: وجهوه لغير القبلة. سعيد: "فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة:115].
الحجاج: كبوه على وجهه. سعيد: “منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى” [طه: 55].
مقتل التابعي العظيم
الحجاج: اذبحوه. سعيد: أما أنا فأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
وبعد 15 يومًا فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحد من بعد سعيد.
ويقال إن سعيد جبير ذُبِح من القفا، وقد استجاب الله دعاءه فقد التبس الحجاج في عقله، ودبّ المرض في جسده وجعل ينادي: "مالي ولسعيد"؟!
ولم يزل الحجاج بعد قتله سعيدًا فزعًا مرعوبًا حتى مُنع من النوم، وكان كلما نام رآه آخذا بمجامع ثوبه يقول: "يا عدو الله فيم قتلتني؟ فيستيقظ مذعورًا ويقول: مالي ولابن جبير؟! ولم يزل متلبسًا حتى هلك".
وروى الدميري: إن عمر بن عبد العزيز رأى الحجاج في المنام بعد موته، وهو جيفة منتنة، فقال له: ما فعل الله بك؟!
قال: قتلني بكل قتيل قتلته قتلة واحدة إلا سعيد بن جبير فإنه قتلني به سبعين قتلة.
ويعلل الدميري سبب ذلك: إن سعيد بن جبير لم يكن له نظير في العلم في وقته.
ثم ينقل عن الحسن البصري قوله: والله لقد مات سعيد بن جبير يوم مات وأهل الأرض من مشرقها إلى مغربها محتاجون لعلمه، ثم يقول الدميري: فمن هذا المعنى ضوعف العذاب على الحجاج بقتله.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا