رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سعيد بن جبير (3 - 4)

 مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة سعيد بن جبير، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

شارك التابعي والفقيه الكبير سعيد بن جبير، رضي الله عنه، في الثورة ضد جور بني أمية، وتصدى بكل شجاعة لمظالمهم، ورفض إغراءاتهم.

وواجه الموت في ثبات غريب.. ولأنه تعرض لظلم بالغ، فقد استجاب الله لدعوته ضد السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي؛ “اللهم لا تسلطه على أحد بعدي”، فمات الحجاج بعد أيام من قتله لسعيد.. وكانت نهاية الحجاج مأساوية.

وبرر بن جبير مشاركته في الثورة، حيث أجاب حين سُئل سعيد عن خروجه على الحجاج، وبني أمية، قائلا: "إني والله ما خرجت عليه حتى كفر".

"فررتُ حتى استحيت من الله"

ولمّا قتل عبد الرحمن وانهزم أصحابه من "دير الجماجم" لحق سعيد بمكة معتصما بها مع جماعة من أضرابه.
وقيل إنه دخل أصبهان وأقام بها مدة ثم ارتحل منها إلى العراق وسكن قرية سنبلان.
وقال ابن كثير: “واستمر ــ أي سعيد ــ في هذا الحال مختفيًا من الحجاج قريبًا من اثنتي عشرة سنة”.
وروي عنه لما قيل له بأن يستخفي قوله: “والله لقد فررتُ حتى استحيتُ من الله وسيجيئني ما كتب الله لي”.
اتسم ابن جبير بالشجاعة والحرص على الدين والشدة في الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان عصره عصر اضطراب ومظالم، إذ لجأت الدولة الأموية إلى القوة والبطش لبسط سيطرتها وترسيخ أركانها وإحكام قبضة خلفائها من بني مروان على الرعية.
وكان خادمها المطيع الذي عهد إليه تنفيذ سياسات حكامها، هو الحجاج بن يوسف الثقفي أحد أمراء بني أمية، فأعلن الإمام سعيد بن جبير رفضه للعدوان على الناس وسجنهم وقتل الأبرياء، وانتقد تسلط الحكام والولاة على الرعية، وهاجم طريقة حكم بني أمية، ولم يكتف بتوجيه الانتقادات الشديدة للحجاج والإفتاء بتحريم أفعاله ومظالمه وفحشه، بل كان ينصح الناس بمخالفته وبالوقوف في وجهه. 

الثورة على الحجاج

أعلن الثورة عليه وانضم إلى عبد الرحمن بن الأشعث، حيث كان يرى أنه على الحق.
وعبد الرحمن هذا كان قد كلفه عبد الملك بن مروان بمهمة تأديب الخارجين على سلطان بني أمية، وعندما عقد هدنة معهم وحاول التوصل لحل معهم، استنكر الحجاج مسعاه، واستهزأ به وعزله من منصبه، ولكن رفض القائد عبد الرحمن هذا العزل، وتصدى للحجاج، إلا أن الحجاج جرد جيشًا كبيرًا لملاقاته، وبعد عدة هزائم، تمكن السفاح من التغلب على جيش عبد الرحمن بن الأشعث.

وأخذ الحجاج في التنكيل والانتقام من المشاركين في الثورة ضد الدولة الأموية، فقتل العشرات، وحكم على الألوف بالسجن، وطارد الناس وأخذهم بالشبهات.
وطلب الإمام سعيد بن جبير وأمر بالقبض عليه ومحاكمته.
وذكرت بعض المصادر التاريخية أن الإمام سعيد رفض التخفي والهروب، وقرر أن يواجه الحجاج.

وكان الحجاج يعلم مكانته وحب الناس له، وأن التهديد والتخويف لا يجديان معه نفعا، فاتبع معه طريقًا آخر، لعله يكسبه في صفه، فلفق له التهم، وحاول إغراءه بالمال والدنيا، فما كان من الإمام سعيد، إلا أن لقَّن الحجاج درسًا في معادن الرجال، فقال: "إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تُذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء للدنيا إلا ما طاب وزكا".

ألاعيب الحجاج

فكتم الحجاج غيظه، ودعا بالعود والناي، فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي بكى الإمام سعيد. 
فقال الحجاج: ما يبكيك؟ أهو اللعب؟، فقال الإمام: "هو الحزن، أما النفخ فذكرني يوما عظيمًا يوم ينفخ في الصور. وأما العود فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة، وما أراني إلا مقتولا، وسأخبرك إنني كنتُ وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الله الشهادة وصاحباي رزقاها وأنا أنتظرها".

وكما أسلفنا، فقد كان الحجاج إذا أتى بالرجل - يعني ممن عارضه - قال له: أكفرت بخروجك علي؟، فإن قال: نعم، خلى سبيله.
فقال لسعيد: أكفرت؟، قال الإمام سعيد: "لا"، قال: اختر لنفسك أي قتلة أقتلك؟، قال: "اخترْ أنت فإن القصاص أمامك، فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة"، فأمر الحجاج بقطع رقبته.


ويصف السيوطي عبد الملك بن مروان وطاغيته الحجاج، فيقول: "لو لم يكن من مساوئ عبد الملك بن مروان إلا الحجاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة يهينهم ويذلهم قتلًا وضربًا وشتمًا وحبسًا، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين فضلًا عن غيرهم، وختم عنق أنس (خادم الرسول) وغيره من الصحابة، يريد بذلك ذلَّهم لكفى ذلك في مساوئه، فلا رحمه الله ولا عفا عنه".
عندما علم الحجاج بمكان التابعي الجليل سعيد بن جبير، أمر أن يُساق إليه مقيدا.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية