رئيس التحرير
عصام كامل

تصحيح المفهوم في معنى اهبطوا مصرا

في قوله تعالى [وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ (61) ]  سورة البَقَرَة

 

وتحمل الآية الكريمة أكثر من مقاربة بالفضل في معنى التأويل:

 

المقاربة الأولى

فالمقاربة في سياق الكلام تتحدث عن صيغة تفضيل "بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ" فقد كانوا داخل مصر ولا يعقل بالمنطق أن يكونوا في سيناء مصر ويطلب منهم التوجه لمصر، فهم بطبيعة الحال داخلها وإلا لكان القول لهم أدخلوا مصر.

والمقاربة في المعنى أن الهبوط لمصر هو الذي فيه  خير، أما قوله تعالى "وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ" أي في سؤال المطلوب منهم كدا وسببا من أهل الأرض التي هبطوا إليها فالمعنى منصرف إليهم لا إلى أرض مصر، والتي لم تخلو من الخير فيها سواء بالمن والسلوى أو مما تخرجه أرضها من خيرات.. 

 

فكان الهبوط من مكانة العزة والغنى برزق الله إليهم وهم في أرض مصر بسيناء إلى مذلة السؤال ومسكنة الحاجة من أهل مصر في سيناء، ولا ينصرف المعنى إلى أرض مصر وإلا كان القول التي هي خير وليس الذي هو خير، لكون مصر علم مؤنث.
 

وحتى نقيم مقاربة قرآنية على دلالة كلمة مِصۡرٗا، فنلاحظ أن إسم مصر ورد في أربعة مواطن كإسم علم مؤنث ووردت الخامسة مضاف اليها الألف مِصۡرٗا، ونلاحظ أن مقاربتها جاء مع أشرف الأسماء وأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فقد جاء إسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أربعة مواطن باسم محمد، وجاء مرة واحدة باسم أحمد.

 

والمقاربة بين مِصۡرٗا وأحمد، والمضاف إلى كل منهما حرف الألف، فالعامل المشترك بينهما أن كل منهما كان في زمن الاستقبال فلم يكن بني إسرائيل هبطوا إليها في الأحداث القولية، كما أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جاء باسم أحمد لآنه كان لازال في زمن الاستقبال فلم يكن أتي بعد.
 

والمقاربة أن أحمد صيغة تفضيل في الحمد فهو أحمد حامد لربه، والمقاربة تحمل تدليلا على ما قلنا أن مِصۡرٗا المضاف إليها الألف تحمل معنى التفضيل والخيرية فيما سألوا فيه.

 

والمقاربة أن الهبوط إلى مِصۡرٗا أي إلى بلدة داخل مصر فلا يعنى بالقطع هبوط المكانة أو المنزلة لقوله تعالى [قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ (48)] سورة هُود.

 

المقاربة الثانية

والمقاربة في معنى الهبوط أنه أتي بمعنى الترك والخروج أي اتركوا مِصۡرٗا واهبطوا من مصر، وهذا أيضا يعنى خيرية المكوث فيها، لاسيما وأن محلهم المكاني حيث المن والسلوى فكان أيضا في سيناء مصر، وجاء الأمر إليهم تأديبا بالخروج منها وهو أيضا معنى قريب مع تكليف خروجهم من مصر إلى فلسطين، والمقاربة في هذا المعنى أنهم ارتحلوا إلى حدود مصر الشرقية لتخوم فلسطين.

 والمقاربة في معنى الهبوط بمعنى الخروج جاءت في قصص سيدنا آدم عليه السلام في أكثر من آية منها قوله تعالى [فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ (36)  فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (37)] سورة البَقَرَة.

وفي كل الاحوال فلا يحمل المعنى إلا بالفضل والكرامة لمصر، هذا والله أعلى وأعلم.

الجريدة الرسمية