رئيس التحرير
عصام كامل

ياريت نبطل ماسكرا بقى!

 لفت نظري واستفزني تصريح لرئيس شعبة الكوافير ومستحضرات التجميل بغرفة القاهرة التجارية، الذي ذكر فيه أن قيمة واردتنا من مستحضرات التجميل بلغت هذا العام نحو 14 مليار جنيه، مقابل 20 مليار جنيه في العام الماضي، وأرجع هذا الانخفاض -ليس لإنشاء مصانع مستحضرات تجميل لا سامح الله- إلى عدة عوامل اقتصادية، كان لها تأثير مباشر على حجم الواردات في هذا القطاع..

كأولوية توفير السيولة الدولارية للسلع الأساسية، وأن من أسباب هذا التراجع في واردات مستحضرات التجميل، هو ارتفاع التعريفة الجمركية علي مستحضرات التجميل باعتبارها سلع ترفيهية، وأن الحالة الاقتصادية التي نشهدها من زيادة الأسعار وانكماش دخل الفرد كان من أبرز العوامل التي أدت إلى تراجع الاستيراد هذا العام.. 

 

فالأشخاص يفضلون شراء حاجاتهم الأساسية بدلا من الدفع في مستحضرات التجميل، وأن ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، دفعت بعضهم للعزوف عن شراء المنتجات المستوردة واللجوء إلى شراء المقلد (الكوبي والهاي كوبي) رغم مخاطرها، والتي تحتوي على مواد كيميائية ضارة، مثل الزئبق والرصاص، ما يشكل خطورة على البشرة والشعر.. 

 

وأبرز المنتجات التي تتصدر قائمة الاستيراد في مستحضرات التجميل، هي أحمر الشفاه والماسكرا وصبغات الشعر، بالإضافة إلى أنواع من البروتين والكيراتين المستورد من البرازيل.


هذا التصريح لفت نظري من ناحية أولا: حجم استيراد مصر من مستحضرات التجميل الذي بلغ 14 مليار جنيه في هذا العام، ثانيا: أن العام الماضي كان الحجم قد وصل إلى 20 مليار جنيه لأحمر الشفاه والماسكرا ! الخ..

 

بلد تعاني العوز والفقر الشديد وتستورد بـ20 مليار جنيه أحمر شفاه وماسكرا بدلا من الزيت والسكر والأرز والدقيق، بلد لا تستطيع الإنفاق على التعليم وتعيين معلمين لسد العجز الصارخ وكذا في الأطباء، وترفع من سعر رغيف الخبز 300% وكافة السلع والخدمات بحجة الفقر والعجز، تستورد بـ 20 مليار جنيه ماسكرا! 

 

أليست هذه قمة "الماسكرا"، ورغم ذلك  لا أصادر على حق المرأة في استخدام أحمر الشفاه والماسكرا والعطور وكذا الرجل الخ، فمن حق كل إنسان أن يشتري ما يرغب فيه مادام يستطيع الشراء، ولكن في الوقت ذاته ألا تستطيع مصر -بجلالة قدرها- وإمكانياتها وتوافر الخامات والأرض والأيدي العاملة والخبرة، والأموال المكدسة في البنوك أن تقيم مصانع للماسكرا وأحمر الشفاه، ونبطل نستورد "الماسكرا" من الخارج؟

 
فمع ذلك التصريح وجدت خبرا أخر من كوريا الجنوبية، حيث بلغت صادرات مستحضرات التجميل الكورية في العام الماضي 8.5 مليار دولار بزيادة 6.4% عن العام السابق، لتسجل ثاني أعلى حجم صادرات على الإطلاق رغم أن كوريا الجنوبية لا تمتلك واحد من عشرة من إمكانيات مصر في ذلك القطاع.. 

 

فلماذا لا توجه الحكومة جزءا بسيطا جدا من الأموال الطائلة التي تلقى على إنشاء الكباري واليوترنات والطرق والمونورل وتدبيش الترع، وإنشاء وحدات صحية جديدة رغم أن القديمة لم تستعمل ويتم هدمها في إهدار صارخ للمال العام، وإنشاء ملاعب للأولاد في القرى رغم أن لديهم الأماكن المتسعة للعب وإنترنت فائق السرعة في منازل الفلاحين.. 

وأطول برج في العالم وأعظم مبنى في العالم وأضخم مسجد الخ، ليوجه ذلك الجزء لإنشاء مصانع تقوم بسد حاجة مصر من مستحضرات التجميل؛ مما سيوفر العملة الصعبة مع تشغيل الأيدي العاملة ودفع عجلة الإنتاج دفعا حقيقيا بدلا من خطة أن يعمل المصريون فنيين لدى الدول الأخرى، وتكون الحكومة هي المتعهد الذي يورد العمالة للخارج؟ 

 

ومن المعروف أن صناعة مستحضرات التجميل من أنجح الصناعات التي لا تتأثر بالظروف السياسية ولا بالكوارث العالمية، فخلال السنوات الأخيرة سجلت هذه الصناعة نموًا ملحوظًا، لتصبح من الصناعات الناجحة التي تلقى رواجًا وتتحرك إيجابيًا، رغم ما يشهده العالم من أوضاع اقتصادية غير مستقرة، ووسط الضغوط التضخمية التي تفرض نفسها على المشهد الاقتصادي العالمي.. 

 

وقد باتت صناعة مستحضرات التجميل أكثر قيمة وتظهر الاتجاهات أن هذه الصناعة مستعدة لمواصلة التوسع، فارتفاع معدلات استهلاك مستحضرات التجميل ناتج عن أن هناك رغبة دائمة من قِبل المستهلكين من الرجال والسيدات على حد سواء في استهلاك منتجات التجميل التي تساعدهم على الظهور بمظهر جيد، كسلع ضرورية.. 

 

 

كما أن تنافس الشركات على الإعلان عن عروض جديدة بشكل مستمر والدعاية عبر استخدام المواقع الإلكترونية تشجع المستهلكين على الشراء، إذا فمستحضرات التجميل تعد صناعة هامة كصناعات أخرى قوية، فهناك شركات تنتج وأخرى تسوق إضافة إلى عمالة واسعة في هذا القطاع (سواء العمالة المباشرة أو غير المباشرة)، لذا فهي مهمة ولها تأثير على الاقتصاد بشكل أو بآخر، فلماذا لا يتم الاهتمام بها ؟

الجريدة الرسمية