رئيس التحرير
عصام كامل

حيثما وقع الضرر على الفقراء تجد صندوق النقد

تدرس الحكومة المصرية -في الظاهر فقط لكن الواقع اتخذت القرار- التحول من الدعم العيني للدعم النقدي، وقد حسم رئيس الوزراء مسألة الانتقال إلى الدعم النقدي، بقوله: "إن الحكومة قد تبدأ التحول من دعم السلع الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات المستحقة بداية من شهر يوليو المقبل، بشرط تحقيق توافق في الآراء خلال جلسات الحوار الوطني". 

 

ومسألة مناقشة التحول من العيني للنقدي أثيرت كثيرا في عهد الحكومات السابقة، فقبل ثورة 2011، كانت الحكومة تريد تطبيق منظومة دعم نقدي، وطالبوا بإجراء دراسة ميدانية شملت نحو 5 آلاف أسرة، لكن النتائج كانت غير مرحبة بمثل هذه الخطوة والدراسة أظهرت أن 85 بالمائة من الأسر رفضت تطبيق الدعم النقدي بدلا من الدعم العيني.. 

 

نظرا لتخوفات فيما يتعلق بإمكانية استغلال الأموال بشكل غير مقبول من قبل بعض أفراد الأسرة وفي مقدمتهم رب الأسرة. كما أبلغوا بأن الأموال عادة تتراجع قيمتها مع الوقت ومن الأفضل الحصول على السلع والخدمات المدعومة من الدولة.

 

ولازالت معظم الأسر ترفض استبدال بالدعم العيني دعما نقديا لأسباب كثيرة لعل أقواها أن ذلك الاستبدال سيعني حرمان الملايين من المصريين من الدعم، وقصره على فئة تكافل وكرامة، رغم أن المستحقين للدعم أكثر بكثير ممن يحصلون على تكافل وكرامة.


وما يعنينا هنا أن قرار التحول من الدعم العيني للنقدي ليس قرارا مصريا حرا، وإنما هو للأسف -مثله مثل باقي القرارات القاتلة للطبقة الفقيرة والمتوسطة، من مثل رفع سعر رغيف الخبز والكهرباء والمياه والغاز وكافة المحررات الرسمية والخدمات الخ- قرار صندوق الخراب الدولي المسمى بصندوق النقد.

 

والذي يهدف من قراراته إثارة البلبلة والثورة في الدول الفقيرة حتى تتهدم أركان الدول لصالح الكيان الصهيوني، فمع موجات الغلاء الشديدة التي يأمر بها الصندوق وتنصاع الحكومة التي أحوجت الشعب إليه، سيصل الأمر إلى أن الفقراء وغيرهم لن يجدوا القوت الضروري ولا الخدمات التي لا تقدم سوى بالمال مثل الصحة والتعليم وفق أمر صندوق النقد.. 

فتثار ثورة الفقراء وتنهدم أركان الدولة لصالح الصهيونية التي تعبث كما تشاء، فتتدخل القوى الاستعمارية وتحافظ على حقوق الأجانب الذين اشتروا الكثير من الأراضي المصرية والشركات والمصانع الخ، فتصبح الثمرة في يد أعداء الوطن يلتهمونها كما شاءوا، فالصندوق أداة الصهيونية لتحقيق أغراضها في الدول الفقيرة والمجاورة لإسرائيل.


فهذه الخطوات تأتي جميعها في إطار ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي، والذي يطالب مصر منذ البرنامج الأول للإصلاح الاقتصادي في العام 2016، بتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي. واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022 وتعثر لعدة أشهر بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها، وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف. 

 

وبموجب هذا البرنامج الذي يستمر حتى 2026، رفع صندوق النقد الدولي تمويلاته إلى مصر من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات. وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا.


وبالطبع تود الحكومة التحول من الدعم العيني للنقدي حتى تقلل من المستفيدين من ذلك الدعم، وبالتالي تقلل من حجم أموال الدعم، فالمعروف أنه يوجد فى مصر 23 مليون بطاقة تموين يستفيد من خلالهم 64 مليون مواطن، كما يوجد 73 مليون يستفيدون خبز، إذ يوجد مواطنون يحصلون علي خبز فقط، بينما في حالة تطبيق الدعم النقدي سيوجه فقط إلى من يحصلون على دعم من برنامج تكافل وكرامة وهؤلاء يبلغ عدد المستفيدين ما يقرب من ٢١ مليون مواطن يمثلون 5.2 مليون أسرة.

 

فإذا طرحنا عدد المستفيدين من تكافل وكرامة من المستفيدين بالدعم العيني الآن فسينتج عن ذلك إخراج ما يقرب من 52 مليون مصري من الدعم، وهو ما سيوفر الأموال الطائلة من أجل إنشاء الطرق والكباري والعاصمة الإدارية والقطار الكهربائي وتدبيش الترع! ولن يكفي فتستدين الحكومة مرة أخرى من الصندوق وغيره ليزداد حجم الدين الخارجي بحيث لا يستطيع أي أحد السداد فتعجز مصر ويتحقق المراد من زيادة القروض.


وإذا كانت الحكومة تتحجج بزيادة الدعم جدا فيرهق الموازنة العامة للدولة، فالحقيقة بالأرقام أن نسبة الدعم الى المصروفات العامة قد تراجعت من 27.7% عام 2010/2011 إلى 9.6% فى موازنة العام الحالي. بينما النسبة الغالبة تذهب إلى فوائد الدين التى ارتفعت من 21.2% إلى 47.4% خلال الفترة نفسها. 

 

 

إذا الحكومة تسببت في رفع الديون بصورة غير مبررة وغير معقولة؛ مما رفع من فوائد الديون، وبالتالي الحكومة حتى تسدد ما ورطت مصر به تأتي على لقمة الفقير وخبزه وزيته وسكره، ثم ما يتبقى من سلب الأموال من الفقراء يذهب للأغنياء في صورة رصف طرق حديثة لهم وإقامة منتجعات عالمية سياحية وعاصمة إدارية وقطار مكهرب كل ذلك لخدمة الأثرياء، وللفقراء الله فقط، ولك الله يا مصر.

الجريدة الرسمية