مستقبل صناعة التعهيد في مصر
في ظل الصراع الشرس بالشرق الأوسط من النواحي العسكرية من جانب إسرائيل واعتداءاتها المستمرة على غزة ولبنان، والتراشق مع الحوثيين باليمن الخ، فهل يؤثر ذلك على صناعة التعهيد بمصر؟
وفي البداية ينبغي معرفة صناعة التعهيد في عبارات سهلة موجزة، وقد استمتعت بذلك الأسلوب من خلال الدكتور عبد المهيمن إبراهيم الخبير الاقتصادي العالمي، الذي ذكر أن معنى التعهيد لا يبعد كثيرا عن المتعهد القديم الذي كان يلجأ إليه الإنسان لقضاء بعض مصالحه.
فكان من يريد إقامة حفل زفاف مثلا يذهب لمتعهد الحفلات الذي يقوم هو بالاتفاق مع كافة ما يحتاجه الفرح من فرقة موسيقية وطعام وفراشة الخ، في مقابل مبلغ مالي، ويقصد بصناعة التعهيد ما يقرب من ذلك، حيث تقوم الدولة أو الشركة بدور المتعهد لمن يريد أن يقدم خدماته في مكان ما، فتيسر له ذلك، وتقدم كل ما يحتاجه لإقامة مشروعه.
فالتعهيد هو استخدام واستئجار كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات من مؤسسات أو شركات أو جهات ثالثة (أجنبية أو محلية)، وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل وتوفير المال والطاقة والوقت في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية وغير الاقتصادية.
وذلك بإعطاء الجهة الثالثة المستعان بها الثقة ومهام ووظائف ومسؤوليات وصلاحيات معينة، وأنشطة كانت عادة تقوم بها (ذاتيًا) وتؤديها داخليًا الجهة المستعينة، وذلك عن طريق التعاقد بتوقيع عقود واتفاقيات تعاون ترتب وتنظم مدة وموضوع الاستعانة والإنجازات والواجبات والحقوق والالتزامات، وسد الثغرات وتلبية مصالح وأهداف الجهة المستعينة.
ومصر تُعدُّ واحدة من أفضل مقاصد تقديم خدمات التعهيد، وخدمات تكنولوجيا المعلومات العابرة للحدود والمنوطة بها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقد تمكنت من اجتذاب العديد من الشركات العالمية لإنشاء فروع لها في مصر، نتيجة ما تتمتع به من سمات فريدة، ومنها توافر الكوادر الشابة التي تمتلك المهارات اللغوية، والرقمية، بالإضافة إلى البنية التحتية الداعمة لصناعة التعهيد في مصر.
فضلًا عن المزايا التنافسية التي تمتلكها الدولة المصرية، والتي تدعم قدرتها على تحقيق ريادة عالمية في مجال صناعة التعهيد؛ مما عزز مكانتها كسوق جاذبة، ومستهدفة لصناعة التعهيد. وقد ذكر تقرير استعرضه رئيس الوزراء أن هيئة إيتيدا قد قامت بالتعاون مع الجمعية الألمانية للتعهيد، بإطلاق دليل مصر كمقصد لخدمات التعهيد.
ويشتمل الدليل على الإمكانات التي تتمتع بها مصر في هذا المجال، واستعراض الميزات التنافسية للدولة كوجهة جاذبة للاستثمارات، وأفاد التقرير بأن مصر وضعت قوانين، وآليات تنظيمية واضحة؛ لإنشاء بيئة مواتية للاستعانة بمصادر خارجية، بهدف حماية مقدمي الخدمات وعملائهم.
فضلًا عن اتخاذ العديد من الإجراءات؛ لدعم صناعة تكنولوجيا المعلومات، وتيسير الإجراءات، وكان من أبرزها: قانون الملكية الفكرية، وقانون العمل، وقانون تنظيم الاتصالات، وقانون الاستثمار، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وقانون حماية البيانات الشخصية.
وأوضح التقرير أن صناعة التعهيد تُعد من الصناعات الهامة، كما أنها ركيزة أساسية في استراتيجية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية التي تهدف من خلالها إلى التوسع في الأسواق الخارجية، وتنمية الصناعة بشكل منهجي، ومُنظم من أجل زيادة الصادرات الرقمية، والمنافسة عالميًّا، ودعم عمليات التحول الرقمي.
كما تستعد مصر لكي تصبح الوجهة التجارية الكبرى القادمة، ومركزًا عالميًا لخدمات التعهيد، وذلك من خلال استراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد (2022- 2026)، والتي تستهدف جذب كبرى الشركات العالمية العاملة بهذه الصناعة للاستثمار بمصر، وتنمية صادرات مصر الرقمية، وتوفير فرص عمل للشباب في الاقتصاد الرقمي.
لذا أطلقت مصر استراتيجيتها الرقمية لصناعة التعهيد في فبراير عام 2022، بالتعاون مع الشركات المحلية، والعالمية العاملة في هذا القطاع؛ لتحقيق المزيد من النمو في صناعة التعهيد بمصر.
وترتكز الاستراتيجية على ثلاثة أهداف رئيسة، هي: زيادة إيرادات صادرات مصر الرقمية بمقدار ثلاثة أضعاف بمعدل نمو سنوي مُركب 19% خلال الفترة (2026- 2022)، وخلق فرص عمل متزايدة ومستدامة في صناعة التعهيد مع التركيز على الخدمات ذات القيمة المضافة العالية، ومن المستهدف خلق 215 ألف فرصة عمل لقطاع التعهيد..
وأخيرًا إنشاء اسم تجاري معروف لمصر في الخدمات والتقنيات الرقمية الجديدة والناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات التحليلية المتقدمة.
وأشار التقرير إلى أن قيمة صادرات مصر الرقمية بلغت 6.2 مليار دولار أمريكي خلال العام المالي 2023/2022، مقابل 4.9 مليار دولار في العام المالي 2022/2021، بنسبة ارتفاع 26.5%، وذلك في إطار جهود الدولة المصرية لتعزيز ودعم صناعة التعهيد في مصر..
وتتضمن مجالات الصادرات الرقمية في مصر تقديم خدمات التعهيد للشركات مثل خدمات الموارد البشرية، وخدمات مراكز الاتصال، كما تتضمن خدمات تطوير البرمجيات والدعم الفني، والنظم المدمجة وتصميم الإلكترونيات، وتصميم الدوائر الإلكترونية.
كما استعرض التقرير أهم محاور التطوير فيما يتعلق بصناعة التعهيد وهي: البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات؛ ففي عام 2023، حقق الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات خطوات ملحوظة عبر العديد من الركائز الأساسية، حيث اعتمد الجهاز ستة أطر تنظيمية تتمثل في:
الإطار التنظيمي لمراكز الاتصال، والإطار التنظيمي لخدمات الجيل الخامس (G5)، والإطار التنظيمي لإنترنت الأشياء، والإطار التنظيمي لمشغلي الأقمار الصناعية، والإطار التنظيمي للتأسيس، والإطار التنظيمي لتشغيل مراكز البيانات، وتقديم خدمات الاستضافة والحوسبة السحابية.