رئيس التحرير
عصام كامل

يوم لا يُنسى.. عندما ألقى نائب الرئيس خطبة في الأزهر

يوم السادس من أكتوبر عام 1973م، العاشر من رمضان 1393 هـ، يوم لا يُنسى في حياة أي إنسان عاش تلك الفترة.. الشعب المصري كان يغلي بسبب ما كان يعتقد أنه تسويف من الرئيس السادات، ومحاولات لتأجيل المواجهة التي يتشوقون إليها؛ من أجل استرداد الأرض، والكرامة التي أهدرت في عام 1967.


لم يكن المصريون يعلمون أن السادات، وهو خليفة جمال عبد الناصر، يخطط في سرية تامة لشن حرب النصر ضد العدو الإسرائيلي.. الشعب عاش أيامًا بالغة الصعوبة.. وتحمل معاناة لا يتحملها غيرهم.. من نقص المواد الغذائية الأساسية، وتدهور البنية التحتية، وغلاء الأسعار، بمقاييس ذلك الوقت.


وشهدت تلك الأيام ظواهر ليست غريبة على المصريين، فمثلا اختفت الجرائم والمخالفات من الشارع المصري تماما.. كانت السجون بدون حراسة، ولم يهرب أحدٌ.. طلبات التطوع انهالت على القوات المسلحة، وسارعت الفتيات من كل الأعمار إلى المستشفيات للانضمام إلى صفوف التمريض، وتضميد الجراح.


في اليوم التالي، يوم 7 أكتوبر كنت ذاهبا، كالعادة، إلى المدرسة، في الصباح الباكر، فإذا بالجيران يخبرونني بأن وزارة التربية والتعليم قررت تعطيل الدراسة.. كان عقلي أقل من استيعاب كل الحقائق، وتفاصيل المعارك، لكن كان يملأوني، وأترابي، شعور بالفخر بالجنود، ورغبة عارمة في المشاركة، والجهاد.


كان الجميع يحتضنون أجهزة الراديو، وينصتون، بكل تركيزهم، إلى البرامج الإخبارية، وخاصة صوت المعركة، الذي كان يقدمه الإذاعي الكبير حمدي الكنيسي، رحمه الله.


انتهت فترة الأكاذيب التي ازدهرت أيام النكسة، وبالتالي صار المصريون يصدقون أنباء الإذاعة المصرية، ويتلهفون لبيانات الجيش.. وفي يوم الجمعة التالي مباشرة حضر شعائر صلاة الجمعة، التي كانت تنقلها إذاعة القرآن الكريم من الجامع الأزهر، كل من نائب رئيس الجمهورية حسين الشافعي، والدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر آنذاك، رحمهما الله.


وبعد إنتهاء الصلاة، كان من المقرر أن يلقي شيخ الأزهر كلمة على المصلين حول المعركة، وضرورة الالتفاف حول الجيش وقادته، لكن المصلين اتفقوا على المطالبة بأن يلقي الكلمة نائب رئيس الجمهورية، فصعد الشافعي المنبر، وألقى كلمة ليست قصيرة، ضج الناس أثناءها بالحماسة والفرحة، ورددوا: "الله أكبر"، كثيرا.

وهل ننسى رؤيا الشيخ عبدالحليم محمود، التي بشر من خلالها بالنصر العظيم؟ وتحكي التفاصيل أن الشيخ، رحمه الله، ذهب إلى الرئيس أنور السادات، وبشره بنصر أكتوبر، قائلًا: "أوصيك باتخاذ قرار الحرب؛ لأننا سننتصر؛ فقد رأيت في المنام سيدنا محمدًا، صلى الله عليه وآله وسلم، يعبر قناة السويس، ومعه عدد من علماء المسلمين، وجنود القوات المسلحة يُكبِّرون".

 

ونصحه قائلا: خُض المعركة ولا تخف. فكاشفه السادات بمخاوفه: كيف أحارب أكبر قوة في العالم؟! فبشره الإمام بالنصر كما رأى في رؤيا الرسول، فاستبشر السادات بهذه الرؤيا.

 


وفي أكثر من مرة، وقف الدكتور عبد الحليم محمود على منبر الجامع الأزهر داعيًا للاستشهاد في سبيل الله خلال الحرب، وكان يزور الجنود على الجبهة لتشجيعهم ورفع روحهم المعنوية.. وكان يقول: هذه حرب وجهاد في سبيل الله، مَن مات فيها شهيدًا كانت له الجنة.. هكذا تضافرت كل عوامل النصر الكبير.

الجريدة الرسمية