هو صحيح عدو عدوي.. صديقي؟!
منذ آلاف السنين في عالم السياسة والحروب قديما والعلاقات الدولية في العصور الحديثة، يبرز مبدأ التحالفات والاستراتيجيات كعنصر أساسي في تشكيل مستقبل الدول والجماعات، ومن بين أشهر الأمثلة التي تُستخدم في تحليل هذه التحالفات عبارة “عدو عدوي صديقي”..
والتي تختزل في جملة واحدة تاريخًا طويلًا من المعارك والتحالفات المبنية على المصالح المتضاربة، لكن هل هذه العبارة دقيقة؟ وهل يمكن الاعتماد عليها كقاعدة ثابتة في جميع الحالات وحتى في حياتنا العامة وعلاقاتنا الشخصية؟
إذا نظرنا إلى التاريخ حتما سنجد أن الأمثلة على تحالفات مبنية على عدو مشترك كثيرة، في الحرب العالمية الثانية مثلا، التحالف بين القوى الغربية ممثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والاتحاد السوفييتي ضد ألمانيا النازية يُعتبر مثالًا واضحًا على هذه الفكرة، فالخطر الذي شكّله هتلر على العالم أجمع وحد دولًا تختلف في أيديولوجياتها السياسية والاقتصادية تتحد تحت راية واحدة مؤقتًا.
لكن بعد هزيمة ألمانيا سرعان ما تلاشى هذا التحالف، وبرزت الحرب الباردة بين القوى العظمى التي كانت حلفاء في الأمس.. وهنا نرى أن "عدو عدوي" يمكن أن يصبح عدوًا جديدًا بعد زوال الخطر المشترك، حيث تبدأ المصالح في التباين والصدام.
العلاقات بين الدول ليست مجرد لعبة بين الصديق والعدو، بل هي شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية، ففي كثير من الأحيان، تجد الدول نفسها مضطرة لعقد تحالفات مع خصومها أو مع دول كانت تعتبرها تهديدًا، فقط لمواجهة خطر أكبر، وفي هذا السياق، نجد أن العبارة الأكثر دقة قد تكون: "عدو عدوي قد يكون حليفي المؤقت، لكنه قد يبقى عدوي أيضًا".
أحد الأمثلة الحديثة على تعقيد هذا المبدأ هو العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وروسيا تعتبران خصمين على الساحة الدولية، إلا أن هناك قضايا مثل الحفاظ على استقرار النظام المالي العالمي تجعلهما تتعاونان أحيانًا، لكن هذا التعاون لا يلغي التنافس الجيوسياسي بينهما ولا يعني حتى أن أحدهما صديق للآخر.
وفي نفس الوقت، تجد الولايات المتحدة تتعامل مع الصين بوجهين؛ من جهة، هناك تعاون اقتصادي هائل بينهما، ومن جهة أخرى، هناك صراع مستمر حول النفوذ والسيطرة في بعض المناطق.. هنا، يتضح أن العلاقات الدولية غالبًا ما تتأرجح بين التعاون والتنافس بناءً على الظروف الراهنة.
أما إذا أسقطنا هذا المبدأ على العلاقات الشخصية فسنجد أن الناس، في كثير من الأحيان يجدون أنفسهم مضطرين للتحالف مع شخصيات كانوا يعتبرونها خصومًا فقط لأن لديهما عدوًا مشتركًا.. وفي هذه الحالة، العداوة ليست بالضرورة تتلاشى، بل يتم تعليقها لفترة مؤقتة.. وهذا النوع من التحالفات المؤقتة شائع في بيئات العمل أو حتى في العلاقات الاجتماعية اليومية وجميعنا يراها بنفسه.
وبمجرد انتهاء الخطر أو زوال السبب الذي جعل هذا التحالف ضروريًا، تعود الخصومات القديمة لتظهر مجددًا، بل وفي بعض الأحيان يصبح الحليف المؤقت عدوًا أشد شراسة، لأنه استفاد من التحالف السابق لاكتساب مزيد من القوة أو المعلومات التي تجعله أكثر قدرة على المنافسة أو الهجوم.
على الجانب الآخر، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن العلاقات بين البشر أو الدول ليست ثابتة، فالعلاقات قد تتحول من عداء إلى صداقة، أو من تنافس إلى تحالف بناءً على التغيرات في المصالح والأهداف.
خذ عندك على سبيل المثال، الدول التي كانت تعتبر بعضها عدوة في الماضي قد تجد نفسها مضطرة للتعاون في المستقبل بسبب تغير الظروف العالمية أو الإقليمية.
وفي بعض الأحيان، قد يكون العدو الحالي حليفًا محتملًا في المستقبل، لذلك يا سادة فإن التعامل مع العلاقات بمنطق العدو الدائم أو الصديق الدائم ليس دائمًا واقعيًا، فالمصالح هي التي تحدد طبيعة العلاقات، وليست العواطف أو التاريخ بالضرورة.
ومع ذلك لا يمكنني إسقاط هذا الأمر على علاقة الدول العربية بالكيان الصهيوني، ذلك السرطان الذي ينخر في عظامنا جميعا ونحن في حالة نوم اليقظة هذا، فرغم أن عدو عدوي ربما يكون ليس صديقي، لكنني أجد نفسي غير قادر على التشفي والشماتة في أي خسارة يكبدها ذلك الكيان المسموم لأي من أعدائه.. والحدق يفهم.
الخلاصة يا رفاق، عبارة "عدو عدوي صديقي" قد تحمل بعض الصحة، لكنها بالتأكيد ليست قاعدة عامة يمكن تطبيقها في جميع الأوقات. التحالفات المبنية على المصالح المشتركة أو العداء المشترك قد تكون مؤقتة وسطحية. العلاقات، سواء كانت دولية أو شخصية، تتأثر بالتغيرات المستمرة في الظروف والمصالح، لذلك، من الأفضل دائمًا أن ننظر إلى هذه العلاقات بواقعية، ونتذكر أن العداوة أو الصداقة قد تتغير بين لحظة وأخرى.
يا صديقي العالم مليء بالتعقيدات، والعداوات ليست دائمًا كما تبدو، كما أن الأصدقاء قد يصبحون أعداء في لحظة. لذلك، الحكمة في السياسة والحياة الشخصية تكمن في القدرة على قراءة المصالح المتغيرة وفهم أن "عدو عدوي" قد يكون في الواقع عدوًا أيضًا.