موعد المياه الملوثة الساعة 3!
استغاث بي صديقي الذي تعطلت سيارته لنبحث عن ميكانيكي شاطر.. كان الوقت مبكرا على عمل ورش إصلاح السيارات.. استضفت الرجل حتى يقترب موعد عمل أغلبهم عند الظهر، وهناك بالفعل بدأ "الباشمهندس" في عمله في السيارة بقائمة طلبات طويلة لها من قطع الغيار!
فقد صديقي أعصابه أكثر من مرة في يومه العصيب وحظه العاثر ومصالحه التي تعطلت، وأطفاله وعليه أن يمر عليهم ليعود بهم من مدرستهم للمنزل قبل الثانية.. ووسط هذا الجو الصعب أشار إليه جهازه المحمول بورود رسالة إلكترونية.. وفجأة وجدته يصرخ.. سألته: في إيه؟! قال: شفت المصيبة؟!
قلت: إيه خير؟! قال: شوف.. إتفضل شوف الرسالة دي.. أعطاني هاتفه وكانت الرسالة كالتالي ننقلها هنا حرفيا حيث جاء بها:
"ياجماعة شركه المياه منزله وبتقول محدش يشرب من ميه الحنفيه ولا يطبخ منها بدأن من الساعه 3 الفجر لحد الساعه 10 بليل الكلام ده بكره لآن المياه فيها مكروب زي اللي حصل في أسوان فاللي عاوز يملي حاجه يملي دلوقت شير بسرعها عشان اللي ميعرفش يعرف"!
وبعيدا عن الأخطاء الإملائية التي تصل إلى حد الجرائم بها والركاكة الفاضحة فيها، وقد يكون ذلك مقصودا لتبدو البساطة مع اللهفة مع العفوية في الموضوع، لكنني انطلقت في الضحك.. اندهش صديقي وسألني وقد جاء يحذرني فقلت: بقى شركة المياه تحذر الناس من تلوث المياه من الساعة كذا للساعة كذا؟!
طيب ما توقف المياه وتقطعها أفضل وتريح نفسها! وكمان هي التي تعلن عن ذلك للناس؟! في حد يعلن عن جريمة هو الذي يرتكبها؟! تنبه صديقي للمسألة ومدى عبثيتها فعاجلته على الفور حتى يستفيق: طيب إنت عقلك مشغول فيما تعرضت له من مشاكل اليوم ولم تنتبه لهذا الهبل الذي في الرسالة.. لكن أصدقاؤك ممن أرسلوها لك ليحذروك.. لم يفكر واحد فيهم؟! لم ينتبه واحد فيهم؟! لا يعقل واحد فيهم؟!
انتهى موقف الرسالة الكاذبة.. وبعد أن انتهت أزمة صديقي مع سيارته أردت تخفيف حدة ما تعرض له بمشروب مهدئ للأعصاب.. فدعوته عند محل مشروبات شهير يجيد تقديم النعناع بالليمون.. وفوجئت بأنهم أوقفوا أي مشروبات تستخدم فيها المياه نظرا لتلوثها! ولم يستبدلوها بالمياه المعدنية لارتفاع سعرها وعدم القدرة على تنظيف المكونات بالمياه! فأيقنت أن الإشاعة اتسعت وطالت مساحات واسعة من شعبنا!
يا سادة.. عبر المساحات التي نكتب فيها في أكثر من صحيفة وكلها من كبريات الصحف ولله الحمد، أي لها جمهورها وعبر مساحة ثابتة ببرنامج إذاعي على الإذاعة الرسمية "البرنامج العام" ناقشنا وفندنا -وغيرنا في كل البرامج والقنوات فندوا وحذروا- مئات الإشاعات التي يتخصص البرنامج في الرد عليها وعلى أصحابها، وعلى كل صور حروب الجيل الرابع..
وحذرنا من الإشاعات الساذجة العبيطة وقلنا هي إشاعات شديدة الهبل لكن أصحابها يقصدون ويتعمدون دفعها إلى شبكات التواصل لقياس مدى استعداد الناس لتقبل مستوى معين من الإشاعات لأن ذلك له دلالة عندهم.. فالإشاعات ساذجة مثل إشاعة الأرز البلاستيك الذي قالوا قبل سنوات إنه ملأ الأسواق.. فهي أقرب إلى نكتة لكن مروجها ومطلقها ليس ساذجا!
الإشاعات عالم واسع وكبير.. وتناولنا بعض أنواع الإشاعات التي صممت وفصلت خصيصا لمصر لكونها بلدًا مستهدفًا لا يتركونه في حاله ولن يتركونه في حاله.. ومنها إشاعات رفع سقف الطموح والأمل، لتحدث الصدمة عند نفيها مثل وجود إعانات أو وظائف جديدة!
لكن في كل الأحوال الوعي هو الحل.. والحل في الثقافة والعلم والتعليم.. وإلى حين تحقيق ذلك يظل الانتباه واليقظة هما الحل.. مش إشاعة واحدة -نفتها مبكرًا شركات مياه الشرب تمامًا- تربك البلاد والعباد بما فيهم حتى القطاع الخاص ومحلاته!