شباب حول الرسول، أنس بن مالك "خادم النبي، وآخر من توفي من الصحابة"
منذ فجر الإسلام، أحاط برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنفُ البيئة المحيطة من تقديسٍ للأصنام، والأوثان، وإدمانٍ للأدران، وصمدوا بقوةٍ أمام ضغوطِ الآباءِ والأمهاتِ وعتاةِ المشركين.
تربَّوا في مدرسةِ الرسولِ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحابَ فكرٍ سديدٍ، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شبابٌ حولَ الرسول".
في هذه الحلقة نعرض مشاهد من حياة وجهاد الصحابي الجليل أنس بن مالك، وخدمته لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ومرافقته له، وأجاب الله دعوة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، له بالبركة في الرزق والولد، وطول العمر، فكان آخر من توفي ممن صلوا القبلتين.
هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري من بني عدي بن النجار، فهو ينتمي إلى قبيلة بني النجار أحد بطون قبائل الخزرج، وهم أخوال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
خادم رسول الله، كان يفتخر بذلك، وقد وُلِدَ، رضي الله عنه، قبل الهجرة بعشر سنوات، بالمدينةِ المنورة.. وهو أخو الصحابيّ البراء بن مالك.
كنَّاه سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، بأبي حمزة.
وأمُّ أنسٍ هي أمُّ سليم بنت ملحان، رضي الله عنها، كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلامَ على زوجها، فغضبَ عليها وخرج إلى الشام فمات هناك، ثم تزوجها بعده أبو طلحة الأنصاري، رضي الله عنه.
خادم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ما أن هاجر سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى يثرب، حتى دفعت أم سليم ابنها أنس للنبي ليقوم على خدمته، وقالت له: "يا رسولَ الله. هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له"، فقبله سيدُنا محمدٌ، صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له.
خدم أنس بن مالك رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، عامله فيها سيدنا محمد معاملة الولد، فكان يخصّه ببعض أحاديثه، وأحيانا ما كان يناديه “يا بُنيّ”، وما عاتبه على شيء فعله، وما ضربه قط.
وعن خدمته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أنس، رضي الله عنه: "خدمتُ النبيَّ عشر سنين فما قال لي أفٍّ قَطُّ، وما قال لشيء صنعتَه لِمَ صنعتَه، ولا لشيء تركته لِمَ تركته، وكان رسول الله من أحسن الناس خُلُقًا، ولا مسست خزًّا قطُّ ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفِّ رسول الله، ولا شممت مسكًا قطُّ ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله".
خدم الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته، وهو ابن 10 سنين.
دعا له النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، قائلا: “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له، وأدخله الجنة”، فعاش نحو 103 سنوات، فكان آخر الصحابة وفاة.. وكان مُجابَ الدعاء.
وبارك له الله في ولده، فكثر نسلُه حتى جاوز المائة في حياته، إلا أنه ابتُلي بفقد عدد كبير منهم، فمات من أبنائه وأحفاده 129 فردا حتى مقدم الحجاج للبصرة، منهم 80 وقيل 70 في الطاعون الذي أصاب أهل البصرة سنة 69هـ.
وقد ترك أنس بستانًا له كان يُثمر في السنة مرتين، وكان فيه ريحانٌ يجيء منه ريحُ المسك.
كما ورث عن أبيه بئرًا في المدينةِ كانت من أعذب آبار المدينة، قيل إنها كانت تُسمى في الجاهلية "البرود". ورُويَ أنه كان يتخذ خاتمًا عليه نقش "أسد رابض".
وقد اشتُهر بعض أبنائه وأحفاده برواية الحديث.
اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، سعيد بن زيد "بشره النبي بالجنة وضرب بسهمه في بدر"
قال أنس بن مالك: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أحسن الناس خلقا، وأرحبهم صدرا، وأوفرهم حنانا، فقد أرسلني يوما لحاجة فخرجت، وقصدت صبيانا كانوا يلعبون في السوق لألعبَ معهم، ولم أذهب إلى ما أمرني به، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي، ويأخذ بثوبي، فالتفتُّ فإذا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يبتسم، ويقول: "يا أنيس، أذهبت إلى حيث أمرتك؟"، فارتبكتُ وقلتُ: نعم، إني ذاهبٌ الآن يا رسول الله.
رُوِي أن أنس بن مالك، قال إنه سأل النبي، صلى الله عليه وآله وسلم فقال: خويدمُك أنس اشفع له يوم القيامة، قال: "أنا فاعل". قال: فأين أطلبُك؟ قال: "اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط؛ فإن وجدتني، وإلا فأنا عند الميزان، وإلا فأنا عند حوضي لا أخطئ هذه الثلاثة المواضع".
وعن أنس بن مالك قال: أتاني معاذ بن جبل، رضي الله عنه، من عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة". فذهبتُ إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، حدثني معاذ أنك قلت: "من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة"، قال: "صدق معاذ، صدق معاذ، صدق معاذ".
وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: خرجتُ وأنا أريد المسجد فإذا بزيد بن مالك، رضي الله عنه، فوضع يده على منكبي يتكئ علي، فذهبت وأنا شابٌ أخطو خطا الشباب، فقال لي زيد: قارب الخطا، فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "من مشى إلى المسجد كان له بكل خطوة عشر حسنات".
وقال الزهريُّ: دخلتُ على أنس بن مالك، رضي الله عنه، بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرفُ شيئا مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت، وقال غيلان بن جرير: قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه: يا أبا حمزة، أرأيت قول الناس لكم: الأنصار، اسم سماكم الله به أم أنتم كنتم تسمون به من قبل؟ قال: "بل اسم سمانا به الله".
جهاده في سبيل الله
شهد أنس، رضي الله عنه، غزوة بدر مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان يخدمه، فلم يشارك في المعركة، إذ كان عمره اثني عشر عاما.
ثم شارك أنس مع النبي في ثماني غزوات، منها خيبر والطائف وحنين، كما شهد فتح مكة وصلح الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع وبيعة الشجرة.
بعد انتقال سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، شارك أنس في حروب الردة.
وكان أحد الرماة المهرة، فشهد معركة اليمامة، ثم أراد أبو بكر أن يبعث أنس بن مالك إلى البحرين ليتولى جباية أموال الزكاة، فاستشار عمر بن الخطاب، فقال له عمر: “ابعثه، فإنه لبيبٌ كاتبٌ”، فبعثه.
طالع أيضا: شبابٌ حول الرسول، زيد بن حارثة "الصحابي الوحيد الذي ذُكر اسمه في القرآن"
عاد أنس من مهمته ليجد الخليفة الأول قد توفي، وخلفه عمر بن الخطاب، فبايعه، ثم دفع إليه المال.
ثم انطلق أنس، وشارك في فتوح العراق وبلاد فارس، وشهد معركة القادسية، وفتح تستر، وهو الذي قدم المدينة المنورة على عمر بن الخطاب بحاكمها الهرمزان أسيرًا.
وبعد الفتوح، سكن أنس البصرة، وأقام فيها يُحدّث الناس بما يحفظ من الحديث النبوي، حتى أحصى علماء الحديث أكثر من مائتي راوٍ عنه.
ولما تولى عبد الله بن الزبير الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية، كتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك ليصلي بالناس بالبصرة، فصلى بهم أربعين يومًا.
قصة أنس مع الحجاج
تعرض أنس بعد ذلك لمحنة شديدة، فبعد ثورة عبد الرحمن بن الأشعث على حكم الأمويين في العراق، استعرض الحجاج بن يوسف الثقفي أهل البصرة، فجاء أنس، فقال له الحجاج: “يا خبيث، جوّال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تُستأصل الصمغة، ولأجرِّدنك كما يُجرَّد الضب”، فقال أنس: "من يعني الأمير؟"، قال: "إياك أعني، أصمَّ الله سمعك"، فقال أنس: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فأمر به الحجاج فخُتم في يده، وقيل في عنقه "عتيق الحجاج"، الحجاج أراد أن يذله بذلك.
انصرف أنس فتابعه بعضهم، فقال: "لولا أني ذكرتُ ولدي وخشيتُ عليهم بعدي، لكلَّمتُه بكلامٍ لا يستحييني بعده أبدًا".
وكتب إلى الخليفة وقتها عبد الملك بن مروان كتابًا جاء فيه: “إني خدمت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلًا خدم نبيهم، لأكرموه، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة" (أهل البصرة).
فغضب عبد الملك، وأرسل إلى الحجاج يأمره بأن يعتذر لأنس.
فسار الحجاج إلى أنس، وحاول أن يسترضيه، ويبرر له ما فعله بذريعة أنه أراد أن يرهب به أهل العراق.
روايته للأحاديث الشريفة
ويعد أنس بن مالك، رضي الله عنه، من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه لازم سيدنا محمدا، صلى الله عليه وآله وسلم، عشر سنوات، مرافقا له وخادما ومتعلما منه.
ومن هذه الأحاديث عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بوضوء (ماء للوضوء)، فوضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضأوا منه، قال: فرأيتُ الماء ينبعُ من تحت أصابعه حتى توضأوا من عند آخرهم.
وقد روى عنه ما يزيد على مائتين وخمسة وثمانين من الصحابة والتابعين، وروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ما يزيد على 2200 من الأحاديث الشريفة.
قال أبو هريرة: "ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من ابن أم سليم".
وقال أنس بن سيرين: "كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر".
وقال حفيده ثمامة بن عبد الله: "كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دمًا، مما يطيل القيام".
بوفاته "ذهب نصف العلم"
قدم أنس دمشق أيام الوليد بن عبد الملك، ثم رحل إلى البصرة يحدث الناس، وفيها تُوفي، رضي الله عنه، قيل: توفي يوم الجمعة سنة 91، وقيل: سنة 92، وقيل: سنة 93 من الهجرة، وهو آخر من مات من الصحابة.
قال ثابت البناني: قال لي أنس بن مالك، رضي الله عنه: هذه شعرة من شعر رسول الله فضعها تحت لساني. قال: فوضعتُها تحت لسانه، فدُفنَ وهي تحت لسانه.
وكان قد أوصى أن يصلي عليه محمد بن سيرين، فغسّله وصلى عليه.
كما أوصى أن تُدفن معه عصا للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، كانت عنده، فدُفنت معه بين جنبه وقميصه.
وقيل لما مات أنس بن مالك: "ذهب اليوم نصف العلم".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.