شباب حول الرسول.. صهيب الرومي، التاجر الرابح
منذ فجر الإسلام، أحاط برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من تقديس للأصنام، والأوثان، وإدمان للأدران، وصمدوا بقوة أمام ضغوط الآباء والأمهات وعتاة المشركين.
تربوا في مدرسة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شباب حول الرسول".
في هذه الحلقة نسرد قصة من أعظم وأرقى قصص الإيثار والتضحية بالغالي والنفيس من أجل العقيدة.. صهيب الرومي، رضي الله عنه، خلَّد القرآن الكريم تضحيته.
إنها قصة عظيمة للتضحية والإثار من أجل دين الله.. رجل باع الدنيا واشترى الآخرة، وتاجر مع الله فربح، فأنزل الله في وصفه قرآنا يتلى إلى يوم الدين.. هو صهيب بن سنان بن مالك.. ولُقِّب بـ "الرومي"؛ لأن الروم سبوه صغيرًا.
وصهيب الرومي كان صحابيا جليلا من بني النمر، عاش طفولة ناعمة سعيدة، وكان في بداية حياته منعمًا مرفهًا في العراق في قصر أبيه الضخم على شاطئ الفرات، الذي كان حاكمًا على الأُبُلَّة (إحدى بلاد العراق)، وذات يوم أغارَ الرومُ عليهم، فأسروا أهلها وأخذوا الأطفال والنساء عبيدًا، وكان صهيب ممن أُسروا، وعاش وسط الروم وتعلم لغتهم، ونشأ على طباعهم، ثم باعه سيدُه لرجلٍ من مكة، هو عبد الله بن جدعان التميمي، فتعلم من سيده الجديد فنون التجارة، حتى أصبح ماهرًا فيها، ولما رأى سيدُه فيه الشجاعة والذكاءَ والإخلاصَ في العمل، أنعمَ عليه وأعتقه، فاشتغل بالتجارة لحسابه الخاص، وأصبح تاجرًا ثريًا.
قصة إسلام صهيب
وعندما بعث الله النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وسمع صهيب بدعوته أراد أن يسلم، فأسرع إلى دار الأرقم وأعلن إسلامه، وهو دون العشرين، وحينها كنَّاه الرسول، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، "أبا يحيي".
وفي الهجرة تجلت أسمى معاني التضحية من صُهيب،
يقول عمار بن ياسر: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فيها, فقلت له: ماذا تريد؟ فأجابني: ماذا تريد أنت؟ قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول.. قال: وأنا أريد ذلك.
فدخلنا على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا، ونحن مستخفيان فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلًا.
ورُوِيَ عن ابن عباس، ورواه ابنُ عدي من حديث أنس والطبراني من حديث أم هانئ، ومن حديث أبي أمامة عن رسول الله: "السباق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس".
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية صهيب
عندما هم الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بالهجرة، علم صهيب به، وكان من المفروض أن يكون ثالث الرسول وأبي بكر، ولكن أعاقه الكافرون، فسبقه الرسول وأبو بكر، وحين استطاع الانطلاق في الصحراء، أدركه قناصة قريش، فصاح فيهم: "يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجل، وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرميَ بكل سهم معي في كِنانتي ثم أضربكم بسيفي، حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني".
فتركوه قائلين: أتيتنا صعلوكًا فقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك؟!.
فدلّهم على المكان الذي خبّأ فيه ثروته وتركوه وشأنه وقفلوا إلى مكة راجعين، والعجب أنهم صدّقوا قوله في غير شك وفي غير حذر، فلم يسألوه بينة، بل ولم يستحلفوه على صِدْقه.
فدلَّهم على ماله، وانطلق إلى المدينة، فأدرك الرسولُ في قباء, ولم يكد يراه الرسولُ حتى ناداه متهللًا: "ربح البيع أبا يحيى.. ربح البيع أبا يحيى"، فقال: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحدٌ، وما أخبرك إلا جبريل.
ووصل صهيب إلى المدينة وكان خبره مع قريش قد وصل إلى المدينة قبل وصوله، فقد جاء أمين الوحي جبريل، عليه السلام، وأخبر النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بما فعل صهيب مع قريش وتخليه عن ثروته، ونزلت الآية الكريمة: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ".
رَبحَ البيعُ يا أبا يحيى
ولما دخل صهيب، رضي الله عنه، على النبي، صلى الله عليه وسلم، هَشَّ له وبَشَّ، وقال: "رَبحَ البيعُ يا أبا يحيى... رَبحَ البيعُ"، وكررها ثلاثًا، فعلت الفرحةُ وجه صهيب، وقال: والله ماسبقني إليك أحدٌ يارسول الله، وما أخبرك به إلا جبريل، وتلقاه الصحابة وهنأوه بما أنزل فيه، وهم يقولون: "رَبِح البيعُ يا صهيب"، فقال لهم: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم.
وكان صهيب قد أصابه الرمدُ خلال طريقه من مكة إلى المدينة، وكان يتضوَّر جوعًا، فلما وصل قباءً وجد بها سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، مع أبي بكر وعمر، فأقبل يأكل التمر فقال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ممازحًا له: "تأكل الرطب وأنت رمد"، فقال صهيب: إنما آكله بشق عيني الصحيحة.. فتبسمَّ النبيُّ، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله.
وروى ابن عيينة في تفسيره وابن سعد، عن مجاهد أول من أظهر إسلامَه سبعة فذكره فيهم، وروى ابن سعد من طريق عمر بن الحكم، قال: كان عمار بن ياسر يُعَذَّب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب وأبو فائد, وعامر بن فهيرة وقوم, وفيهم نزلت هذه الآية: "ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا".
أهم ملامح شخصية صهيب الرومي
كان صهيبًا جوادًا كريم العطاء, ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله, يعين المحتاج ويغيث المكروب, ويطعم الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا, حتى أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر بن الخطاب، فقال: "أراك تطعم كثيرًا حتى أنك تسرف", فأجابه صهيب: لقد سمعت رسول الله يقول: "خياركم من أطعم الطعام ورد السلام", فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام.
من مواقف صهيب مع رسول الله
يتحدث صهيب عن ولائه للإسلام فيقول: "لم يشهد رسول الله مشهدًا قط، إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضره، ولا غزا غزاة قط، أول الزمان وآخره، إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خاف (المسلمون) أمامهم قط، إلا كنت أمامهم، ولا خافوا وراءهم، إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله بيني وبين العدو أبدًا حتى لقي ربه".
وكان إلى جانب ورعه خفيف الروح، حاضر النكتة، فقد رآه الرسول يأكل رطب، وكان بإحدى عينيه رمد، فقال له الرسول ضاحكًا: "أتأكل الرطب وفي عينيك رمد", فأجاب قائلًا: "وأي بأس؟ إني آكله بعيني الأخرى!!".
من مواقف صهيب الرومي مع الصحابة
روى البغوي، عن أبيه خرجت مع عمر حتى دخلت على صهيب بالعالية فلما رآه صهيب قال: يا ناس يا ناس.. فقال عمر: ما له يدعو الناس؟ قلت: إنما يدعو غلامه "يحنس" (على اسم "يوحنا المصري")، فقال له عمر: يا صهيب ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال؛ أراك تنتسب عربيًّا ولسانك أعجمي، وتكنى باسم نبي وتبذر مالك. قال: أما تبذيري مالي, فما أنفقه إلا في الحق، وأما كنيتي فكنانيها النبي، وأما انتمائي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرًا، فأخذت لسانهم.
وعندما تعرض أمير المؤمنين للاعتداء وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر. وعندما أحس نهاية الأجل، فراح يلقي على أصحابه وصيته وكلماته الأخيرة، ثم قال: "وليصلّ بالناس صهيب".
ولقد اختار عمر صهيبًا ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد بأعباء مهمته.. اختاره وهو يعلم أنَّ في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان.
بعض ما روى صهيب عن النبي، صلى الله عليه وسلم
فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة, قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم, فيقولون: ألم تبيض وجوهنا, ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار, قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم".
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب، قال: قال رسول الله: "عجبًا لأمر المؤمن, إن أمره كله خير, وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
عن ابن عمر عن صهيب قال: مررتُ برسول الله وهو يصلي فسلمتُ عليه فرد إلي إشارة، وقال: لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه.
وفاة صهيب الرومي
مات صهيب في شوال سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة. وكانت وفاته في المدينة المنورة.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.