عقد جديد من علاقات مصر الخارجية
شهدت العلاقات الدولية لمصر في العقد (2014-2024) تحولات ملحوظة، تميزت باتجاهات متعددة تشمل تعزيز الاستقرار الداخلي، والتنويع في الشراكات الخارجية، والانخراط الفعّال في قضايا إقليمية ودولية. واذا نظرنا في هذه المرحلة نجد أبرز التحولات في السياسة الخارجية المصرية.
إذ نجد التوجه نحو تعزيز الاستقرار الداخلي؛ فبعد التغيرات السياسية التي شهدتها مصر في 2011 و2013، كان التركيز الرئيسي في السنوات الأولى من هذا العقد على إعادة بناء استقرار الدولة على الصعيد الداخلي.. مما انعكس بدوره على السياسة الخارجية.
حيث انخرطت مصر في تعزيز علاقاتها مع الدول التي تدعم استقرارها، خاصة في ظل مكافحة الإرهاب وضبط الحدود، لاسيما في سيناء. وبرز دور مصر في محاربة الجماعات المسلحة ليس فقط محليًا، بل أيضًا إقليميًا من خلال التعاون مع الدول المجاورة مثل ليبيا.
وإذا نظرنا إلى التقارب مع الدول العربية فقد شهدت العلاقات المصرية العربية، خاصة مع دول الخليج، نموًا كبيرًا خلال هذه الفترة. إرتبط هذا التقارب في الجانب الاقتصادي والسياسي. كما ظهر تعاون في مجالات متعددة مثل الطاقة والاستثمار، حيث شاركت الدول الخليجية في مشاريع تنموية كبرى داخل مصر.
ومع ذلك، لم تكن هذه العلاقات خالية من التحديات، حيث ظهرت تباينات في وجهات النظر حول بعض القضايا الإقليمية، مثل الملف السوري والأزمة اليمنية. لكن رغم ذلك، ظلت العلاقات الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج قوية ومستقرة. بل سعت مصر إلى إعادة التوازن في العلاقات مع القوى الكبرى.. من خلال تنويع علاقاتها مع القوى الكبرى.
فإلى جانب العلاقات التقليدية مع الولايات المتحدة التي إستمرت على الرغم من بعض اختلافات وجهات النظر لبعض القضايا، إتجهت مصر لتقوية علاقاتها مع روسيا والصين. وتعددت مجالات التعاون مع روسيا، خاصة في مجال الطاقة النووية والدفاع، حيث وقعت مصر مع روسيا اتفاقية لبناء محطة الضبعة النووية. كما شهدت العلاقات مع الصين نموًا ملحوظًا ضمن مبادرة الحزام والطريق، مع استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتكنولوجيا.
أما العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد ظلت مستقرة نسبيًا والتعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين ظل عنصرًا مهمًا في هذه العلاقة. بالاضافة إلى إنخراط مصر الفعّال في القضايا الإقليمية..
على الصعيد الإقليمي، لعبت مصر دورًا مركزيًا في العديد من القضايا، أبرزها الملف الليبي والسوري والقضية الفلسطينية. دعمت مصر الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل سياسي للصراع في ليبيا، وذلك من خلال دعم المؤسسات الشرعية والمشاركة في جهود الوساطة.
أما في القضية الفلسطينية، فقد استمرت مصر في دورها التاريخى لحل القضية الفلسطينية وإحترام حقوق الشعب الفلسطينى ووقف إطلاق النار مع تقديم الدعم للجهود الرامية إلى تحقيق السلام.. كما ظلت مصر مدافعة عن وحدة سوريا وحل الأزمة عبر الحوار السياسي، رافضة تقسيم البلاد أو التدخلات العسكرية الخارجية.
أما في الملف الافريقى فنجد عودة مصرية قوية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى حيث شهدت العلاقات المصرية الأفريقية إحياءً ملحوظًا خلال العقد الماضي، خاصة بعد تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في 2019.
حيث ركزت مصر على تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية عبر إطلاق العديد من المبادرات التنموية، لا سيما في مجالات البنية التحتية، الطاقة، والصحة. وكان النيل أيضًا ملفًا مهمًا في العلاقات مع دول حوض النيل، خصوصًا مع إثيوبيا والسودان.
فبرزت قضية سد النهضة كأحد الملفات الساخنة في العلاقات المصرية الإثيوبية، حيث سعت مصر إلى الوصول لحل سلمي يضمن حقوقها المائية من خلال المفاوضات والتعاون الدولي.
وبالرغم من ذلك نجد تحديات في السياسة الخارجية، فرغم النجاحات الملحوظة واجهت مصر أيضًا تحديات في سياستها الخارجية على المستوى الدولى والاقليمى، ولكن استطاعت مصر أن تعمل جاهدة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وأخيرا يمكن القول أن العقد الماضي شهد تحولًا في العلاقات الخارجية المصرية، مع سعي القاهرة إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. من خلال استراتيجيات متوازنة بين الشرق والغرب، والانخراط في القضايا الإقليمية، والتعاون مع القوى الكبرى، تسعى مصر إلى حماية مصالحها واحترام حقوق الدول المجاورة وتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة مما يعكس رسالة هامة للجميع، أن مصر هى رمانة الميزان في المنطقة.